انتهى شهر فبراير الذي جاء مُحمَّلًا ببعض الاستحقاقات الاجتماعيَّة الموسميَّة مثل عودة الدراسة في المدارس والجامعات بعد انتهاء إجازة نصف العام، والَّذي ما إن تبدأ الأقلام الدراسيَّة تستقرّ فيه قليلًا، حتَّى يحلّ شهر رمضان، وهو استحقاق روحي اجتماعيٌّ يتزامن أيضًا مع صيام الأقباط الأرثوذكس.
وفي خضم تلك الاستحقاقات، نقدّم كالعادة في منتدى العاصمة، على رأس كلّ شهر، رصدًا وقراءة، لأبرز ما وردَ في النشاط الاجتماعي، بما يعضِّد ويساهم في التقييم الموضوعيَّ للتغيّرات والمزاج العام لدى المواطن المصري.. فماذا لدينا هذا الشهر؟
حشود على الحدود
خلال الساعات الأخيرة من شهر يناير الماضي، وقبل أن يبدأ يوم 1 فبراير بساعات، تحركت برًّا مجموعات من المتظاهرين إلى أقصى الاتجاه الشمالي الشرقي بالقرب من بوّابة ميناء معبر رفح الرّابط بين مصر وقطاع غزَّة.
تُقدَّر تلك الأعداد ببضعة مئات، وقد اتسمت بالتنظيم الواضح، وغياب العفويَّة؛ فالحافلات تحرّكت من القاهرة ليلًا، لتسلك طريق السويس، محمَّلةً بأعضاء من الأحزاب المقرّبة من الدّولة، مثل “مستقبل وطن”، إلى جانب أفراد “اتحاد قبائل سيناء” ومؤثرين وفنانين وشخصيّات عامّة.
تضمَّنت الحافلات صورًا للسيسي، ووجبات جاهزة مقدَّمة للمسافرين، وقمصانًا تحمل عبارات “لا للتهجير” برعاية مكثَّفة من أجهزة الدولة، مثل الشرطة والإسعاف، وبحضور ملحوظ لموظَّفي بعض الجهات الحكوميَّة مثل وزارة التربية والتعليم وبعض العاملين في المصانع والشركات الخاصَّة.
لم تطلب الرئاسة صراحةً تنظيمَ حشودٍ مدنيَّة كهذه، ولكنّ سبق أن لوحَ السيسي في كلمة على هامش مؤتمره الصحفيّ مع أحد الزعماء الأفارقة، في يناير الماضي، بأنَّ هناك رفضًا شعبيًّا كبيرًا لخُطَّة الرئيس الأمريكي ترامب لتهجير أهل غزَّة إلى الأردن ومصر، وسبق أن لوَّح بإمكان استدعاء الملايين للنزول احتشادًا ضدّ الخُطط المماثلة، في وقت مبكر من الحرب على غزَّة، وذلك خلال لقائه حينها بالمستشار الألماني شولتز.
وبالرغم من السماح بتلك المظاهرات في تلك المنطقة الحسَّاسة، وبحضور عدد من شباب حركة “تمرد” السابقين ممن تبوأوا مناصب برلمانيَّة وحزبيَّة في المشهد السياسي الحالي، فإنَّ رفضًا رسميًّا من مديرية أمن القاهرة صدر بخصوص طلب تنظيم مظاهرة مماثلة، دعت إليها الحركة المدنية الديموقراطية، ضد التهجير، أمام السفارة الأمريكية بالقاهرة.
تصاعد المطالب العمالية
وفي ملف آخر، أضرب نحو مائة من عمال المخزن الرئيسي لشركة الراية ماركت بالقليوبية عن العمل للمطالبة بزيادة سنوية بنسبة 45%، بدلًا من 20%، وتطبيق الحد الأدنى للأجور، وأنهوا الإضراب بعد توصلهم لاتفاق مع الإدارة يقضي بتنفيذ مطالبهم خلال عَشَرة أيام.
وفي القليوبية أيضًا، أضرب عمال شركة أطياب بالعبور، التابعة لشركة أغذية الإماراتية، عن العمل للمطالبة بتطبيق الحد الأدنى للأجور، ثم فكوا الإضراب بعد يوم واحد عقب تلقيهم وعودًا من الإدارة بالاستجابة إلى مطالبهم.
وفي مجال لا يشهد عادة احتجاجات، أضرب العاملون بنظام العقد الدائم في شركة البترول المصرية الصينية، بالعين السخنة، عن العمل للمطالبة بتعديل المرتبات، وصرف العلاوة السنوية المتوقفة، وتوزيع الأرباح السنوية، وإقرار هيكل وظيفي واضح لنظام الترقيات، وزيادة قيمة علاج العاملين. وفي اليوم التالي، فكوا الإضراب بعد الاتفاق على عقد اجتماع بين ممثلين عنهم ومسؤولي وزارة البترول وإدارة الشركة والهيئة العامة للبترول، لبحث مطالبهم. وكذلك أضرب عمال شركة سيميتار للبترول بالبحر الأحمر عن العمل؛ احتجاجًا على تدني الرواتب، وعدم توفير عوامل الأمان.
وفي الجيزة، تظاهر آلاف العمال من الشركة الشرقية للدخان/إيسترن كومباني أمام مقر النادي الاجتماعي للشركة بشارع خاتم المرسلين بحي العمرانية، أثناء انعقاد اجتماع الجمعية العامة غير العادية لاتحاد العاملين المساهمين للتصويت على بيع حصتهم البالغة 5.2% من أسهم الشركة، حيث رفض العمال بيع أسهم ملكيتهم بسعر متدني.
وقد أنهى سريعًا عمال شركة “سيديكو” للأدوية إضرابًا عن العمل، بعد تهديدات من الإدارة بفصلهم نهائيًّا، إذا استمرَّ الإضراب، وهو ما جرى أيضًا مع عمال شركة “سيراميكا فيردي – السخنة”، الذين نظموا إضرابًا محدودًا عن العمل منتصف فبراير، احتجاجًا على عدم ملاءمة الزيادة السنويَّة لاحتياجاتهم، ولكنهم كانوا أكثر حظًا، نظرًا لحصولهم على وعد بإعادة هيكلة الأجور.
عُمَّال.. سابقًا!
تكرر في فبراير موقف أصبح معتادًا ضمن جدليَّة العامل ورأس المال؛ وهو تضرّر العمَّال، عقابيًّا، على مطالباتهم بتحسين أوضاعهم الاجتماعيَّة، وذلك بمجرَّد انطفاء جذوة تلك المطالبات. وهو ما ظهر في موقف إدارة شركة «تي أند سي» (المصريّة التركيّة للمنسوجات) إزاء القيادات العمَّاليَّة الَّتي نظَّمت إضرابًا عن العمل، كان كبيرًا من حيث المُدَّة والكثافة العدديَّة، خلال يناير الماضي، إذ شارك فيه المئات من قوَّة العمل البالغة نحو 4 آلاف في الأقسام الإداريَّة والإنتاجيَّة للشركة لمدة 12 يومًا.
فبعد أن أسفر الإضراب عن حبس تسعة أشخاص من القيادات العمَّالية للشركة، بناءً على بلاغ مقدم في حقهم من الشؤون القانونية يتضمن اتهامات تتعلق بتكبيد الشركة خسائر ماديَّة وتعطيل الإنتاج، قررت الشركة وقف نفس العمال 15 يومًا عن العمل مبدئيًّا، ثم فصلهم لاحقًا، وحرمان العاملين من حافز الإنتاج الشهري، وإلغاء وجبة الإفطار في شهر رمضان.
وفي الفترة من 7 فبراير إلى 11 فبراير، نظم عمال مصنع الأمير للسيراميك البالغ عددهم 3500 عامل إضرابًا عن العمل، للمطالبة بتطبيق قرار المجلس القومي للأجور الصادر في مارس 2024، بتطبيق الحد الأدنى للأجور بما يعادل 6 آلاف جنيه، ولكنَّ الإضراب قوبل بالتدخل الأمني والقبض على عَشَرة عمال من الداعين إليه، فيما امتنعت إدارة الشركة عن تشغيل الأتوبيسات المخصصة لنقل العمال من وإلى المصنع، وانتهى الأمر بفك الإضراب مقابل إفراج النيابة عن العمال المقبوض عليهم في اليوم التالي لفك الإضراب.
ووفقًا لتحقيق صحافي، فقد لوحظ تكرار هذا النمط العقابي بحق العمال في عدة وقائع خلال الشهور الماضية، سواء في القطاع العام أو في القطاع الخاص، ومن ذلك:
- القبض على 36 عاملًا، أحيل منهم عشرة إلى النيابة، فبراير 2024، خلال إضراب لعمال شركة غزل المحلة، احتجاجًا على عدم تطبيق الحد الأدنى للأجور، وقد استمرّ حبس اثنين منهم مدة 3 شهور، بعد نهاية الإضراب.
- قرار بفصل القيادي العمالي هشام البنا مؤقتًا، على خلفية نشاطه الاحتجاجي، خلال إضراب شركة وبريّات سمنود، في أغسطس 2024، والاكتفاء بصرف نصف راتبه الأساسي خلال تلك المدَّة “800 جنيه”.
وتعتبر دار الخدمات النقابية والعمالية، أنَّ قانون العمل في صيغته الجديدة، والتي وافق عليها البرلمان من حيث المبدأ في فبراير، لن يساهم في تحقيق التوازن المنشود في العلاقة بين العامل وصاحب رأس المال، وإنما على العكس، قد يساعد في تعميق الفجوة بين الطرفين لصالح رأس المال.
وتتركز ملاحظات الدار بخصوص القانون على تخفيض العلاوة الدورية إلى 3% بدلًا من 7% بموجب المادة 12، وتقنين عمالة الأطفال من سن 14 عامًا تحت ذريعة التدريب والخبرة.
كما أصدرت الدار بيانًا في فبراير تطالب فيه بالكشف عن مصير شادي محمد، أحد القادة العماليين في نقابة “لينين جروب” للمفروشات والمنسوجات، والذي كان قد تم نقله، دون إنذار أو إقرار رسمي، إلى سجن برج العرب، قادمًا من تأهيل 6 في سجن العاشر، كإجراءٍ عقابي، مع أنباء عن خوضه إضرابًا عن الطعام داخل سجن برج العرب، الذي ظلَّ فترة لا يعترف به محتجزًا لديه.
من كسر زجاج الوزير؟
رُصِد أيضًا توتر ميداني وقع في نطاق المرحلة الأولى من أرض مشروع رأس الحكمة في الساحل الشمالي الغربي، والتي آلت إلى استثمار مصري إماراتي. حيث أفادت مصادر محلية بأنَّ وزير النقل كامل الوزير وصل إلى منطقة الهشيمة في رأس الحكمة، ليطالب الأهالي بالخروج الطوعي من منازلهم، استجابة إلى اتفاق سابق بينهم.
ولكنَّ الأهالي رفضوا الانصياع إلى مطلب الوزير الذي جاء إلى المنطقة مصحوبًا بسيارات شرطة ولوادر هدم، لأسباب تتعلَّق برفض بعضهم لقيمة التعويضات المعروضة، أو تأخر صرف التعويضات المتفق عليها. مما أدَّى إلى اندلاع اشتباكات وتراشق بالحجارة، نتج عنه إصابة زجاج سيارة الوزير، الذي حاول احتواء الموقف لاحقًا بالتعاون مع القيادات المحليّة، لاعتبارات ثقافية واجتماعيّة تفرض نوعًا معينًا من العلاقة الحذرة بين الطرفين.
تلك المنطقة ذات السمت البدوي كانت موضوعًا لسجال لاذع دار بين رجل الأعمال الناشط في الاستثمارات الفندقيَّة حامد الشيتي وبين إبراهيم العرجاني، الذي انبرى دفاعًا عن البدو، باعتباره رئيسًا لاتحاد القبائل العربية، بخصوص اتهامهم بإعاقة التنمية السياحية وفرض الإتاوات، مما أجبر الشيتي في النهاية على الاعتذار.
حضور العرجاني في فبراير، بل ومطلع مارس الجاري، كان لافتًا، ليس فقط في تلك المناوشات الكلامية، وإنما أيضًا بعد تصريحات عن وصول استثمارات مجموعته إلى 2 مليار دولار داخل البلاد وخارجها، وإعلانات تليفزيونية -تتضمن استعراضًا للقوة- تتحدث عن توظيف 30 ألف كادر بشري في شركاته، وتولي تأمين 400 جهة مختلفة، كما تزامن ذلك النشاط مع تحقيقات تؤكد استثناءه من قرارات حظر تصدير الأرز خارج البلاد.
محمد محسوب: مجرم أم بطل؟
وفي الصعيد، وتحديدًا في أسيوط ومركز ساحل سليم اندلع جدل على وسائل التواصل الاجتماعي بعد أنباء عن تدخل قوات خاصة شُرَطيَّة وقطع الكهرباء عن عدة قرى بالمنطقة، لحسم الصراع الأهلي بين عائلتين، لصالح إحداهما. فلعدة أيام، دارت اشتباكات متقطعة بالأسلحة النارية الخفيفة والمتوسطة بين عائلتي الجعيدي وبيت عليوة. وكعادة ذلك النوع من العداوات، تتداخل الأسباب ما بين الصراع على النفوذ والتاريخ الثأري.
ومن جهتها أعلنت وزارة الداخلية يوم 19 فبراير تصفية محمد محسوب الجعيدي، الشخصية الرئيسة في العائلة، والطرف الأبرز من جهته في الخلاف مع بيت عليوة، إلى جانب سبعة من رفاقه، منهم ابنه صقر، حيث جاء في بيان الداخلية أنَّ محسوبًا كان مطلوبًا، وزعيمًا لبؤرة خارجة عن القانون، نصبت الأشركة الناسفة بدائيّة الصنع في طريق قوّات الشرطة، وتسلَّحت بما يفوق 300 قطعة سلاح، منها أر بي چي وقنابل يدويّة.
ولم يكن تدخل الشرطة على نطاق واسع ما أثار الجدل فقط، وإنما الرسائل التي تركها محمد محسوب على صفحاته في مواقع التواصل، حيث يشتكي فيها من مظلمة يتعرَّض لها من ضباط شرطة مركز ساحل سليم، وناشد فيها بفصاحة كبار رجال الدولة للتدخل ورفع الظلم. وقد حظيت جنازته بحضور شعبي لافت.
الحدث | النتيجة |
إضراب عمَّال شركة «تي أند سي» لمدَّة 12 يومًا شهر يناير. | إجهاض الإضراب وفصل 9 من العمال نهائيًّا كإجراء عقابيّ في فبراير. |
إضراب عمَّال مصانع الأمير للسيراميك 4 أيّام. | إجهاض الإضراب بعد مساومة العمَّال على الإفراج عن 10 من زملائهم مقابل عودة العمل. |
إضراب عمَّال «سيديكو للأدوية» لمدَّة 7 أيَّام متواصلة. | إجهاض الإضراب بعد تهديد العمَّال بالقبض على 2 من زملائهم، مع وعود بالنظر في مطالبهم الماديَّة والاجتماعيّة. |
إضراب 100 من عمال المخزن الرئيسي لشركة الراية ماركت بالقليوبية عن العمل للمطالبة بزيادة الأجر. | انتهاء الإضراب بعد التوصل لاتفاق مع الإدارة يقضي بتنفيذ مطالب العمال خلال عَشَرة أيام. |
إضراب عمال شركة أطياب بالعبور، التابعة لشركة أغذية الإماراتية، عن العمل للمطالبة بتطبيق الحد الأدنى للأجور. | انتهاء الإضراب بعد يوم واحد عقب تلقي العمال وعودًا من الإدارة بالاستجابة إلى مطالبهم. |
إضراب العاملين بنظام العقد الدائم في شركة البترول المصرية الصينية، بالعين السخنة. | فك الإضراب بعد الاتفاق على عقد اجتماع بين ممثلين عن العمال ومسؤولي وزارة البترول وإدارة الشركة والهيئة العامة للبترول |
إضراب عمال شركة سيميتار للبترول بالبحر الأحمر عن العمل؛ احتجاجًا على تدني الرواتب، وعدم توفير عوامل الأمان. | غير محدد. |
زيارة كامل الوزير لأهالي رأس الحكمة بمحافظة مطروح بصحبة قوات شرطة. | وقف أعمال الهدم واشتباكات بالحجارة أدت إلى كسر زجاج سيارة الوزير. |
اشتباكات في مركز ساحل سليم بأسيوط. | تدخّل الشرطة بالقوَّة، وتصفية 8 من إحدى العائلتين المتنازعتين، واستمرار الاحتقان الاجتماعي. |