الاحتفاء بالسراب: لماذا تعد العملية الإسرائيلية الخاصة في النصيرات محدودة القيمة؟

اشتعلت إسرائيل فرحًا بنتائج عمليَّة تحرير الأسرى الَّتي وقعت في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، إلى درجة تصدير هذه النشوة للعالم الخارجي في صورة دعاية وعلاقات عامة عسكريَّة وسياسيَّة تروّج لحدثٍ مفصليٍّ فارق في مسار المعركة الدائرة منذ أكتوبر 2023.

تنتشر مقاطع فيديو مجزّأة يفرَج عنها تباعًا عن تلك المهمَّة. هنا اجتمع القادة السياسيّون والعسكريّون للرصد والتقييم، وعلى متن تلك المروحيّة أقلع الأسرى من غزّة، وهذا مقطعٌ لطلقات يطلقها الجنود في مسرح العمليّة. بروباجندا توهم المتلقّي بأنَّ الهدف كان شديد التفرّد باهظ القيمة، وأنَّ النجاح غير مسبوق، في حين أنَّ التدقيق في الملابسات بتروٍّ قد لا يؤدّي إلى تلك النتيجة.

الاقتحام والتسلل 

في نوفمبر 2018، أي قبل 5 أعوام من طوفان الأقصى، نجحت قوة إسرائيلية خاصة في التسلل إلى قطاع غزة، بمعاونة عناصر من المستعربين، في سيّارات وملابس مدنيَّة تشبه تلك الَّتي يرتديها السكّان المحليّون في القطاع.

كان الهدف المنشود يتموضع جنوبًا، في خان يونس، حيث خطط المتسللون لرصد وإعطاب إحدى النقاط المركزيّة في شبكة الاتصالات السرّية الخاصَّة بالمقاومة، وبالرغم من النجاح في التسلل والوصول إلى الهدف، كما نجح التسلل نظريًّا في النصيرات، فقد اعترض طريق القوة مجموعة من كتائب للقسّام بقيادة نور الدين بركة، ما أدّى في النهاية إلى إفشال المخطط، والاشتباك مع القوات، وإيقاع خسائر بشريّة من الجانبين، في عملية تاريخيّة في أرشيف المقاومة، أطلق عليها “حد السيف”. 

فإذا علمنا أنَّ العمليّات الخاصة باب كبير يسع طيفًا من المهمّات، كالاغتيالات، وتحرير الأسرى، وإحباط العمليّات المعادية، إلى الحصول على وثائق مهمَّة، وحتى تخريب المواقع الحسّاسة، وتختلف كلّ مهمة حسب ظروفها ومتغيِّراتها، فإنَّ عمليّة “بذور الصيف” لم يكن فيها إنجاز حقيقيّ إلّا تحقق الهدف، وهو تحرير بعض الأسرى محدودي القيمة. ولكنّ سلسلة الخطوات الَّتي أدّت إليها إمّا مُبالَغٌ في تقديرها، كالتّسلل والاقتحام، أو مغضوضٌ الطرف عنها عمدًا كالخسارة الكبيرة الّتي لحقت بالقوّة المهاجمة، مثل مقتل قائد عملية الاقتحام المنتمي إلى وحدة اليمام.

عملية غير نظيفة 

في العلوم الأمنية وثنايا التحقيقات والمراجعات التالية لهذا النوع من العمليّات، فإنَّ أحد العوامل الحاسمة في التقييم يكون متعلّقًا بنمط التخطيط والخسائر الجانبيّة، ما بين المتوقَّع والمتحقّق، أخذًا في الاعتبار أنَّ العمليّة الخاصّة كانت لهدف أخلاقيّ سامٍ وَفقًا للسرديّة الإسرائيليّة، وهو “إعادة المختطفين لأحضان الوطن والعائلات”، مما يكسب العمليّة زخمًا ومشروعيّة.

ولكنَّ هذا الهدف الأخلاقي لم يتمّ إلّا عبر سلسلة من الجرائم شديدة التدّني، الَّتي كان من المفترض تلافيها من جانب السّياسيين، تفاديًّا للطعن في الصورة الذهنيَّة المتردّية ابتداءً عن إسرائيل. فعلى الرغم من نفي واشنطن أيَّ دور عمليّاتي للرصيف البحريّ الإغاثيّ، فإنَّ المقاطع المبثوثة تظهر تلاحمًا غير عفويّ بين القوّات المنفِّذة، لا سيما في لحظات الانسحاب، وبين القوّات الأمريكيَّة المشرفة على الرصيف.

ويرجح خبراء أمنيّون بأنَّ معدَّة الدفاع الجوّي الأمريكيّة شديدة التطوّر الرابضة في نطاق الرصيف “C-RAM”، قد ساهمت في التغطية على انسحاب القوّات، عبر إعاقة أيّ محاولة للإغراق النيرانيّ بقذائف الهاون والصّواريخ قصيرة المدى على قوّة الإخلاء، خاصة أنَّ هذا النوع من الأسلحة متوافر بكثرة في غزّة، وسريع التجهيز، ويستخدَم بكثافة يوميًّا في ضرب محور نيتساريم الملاصق للرصيف.

وبالإضافة إلى ما وثَّقته الكاميرات مبكرًا عن استخدام شاحنة مدنيَّة مرتبطة بالإغاثة الإنسانيّة للنَّفاذ إلى قلب الموقع المستهدَف، فقد اعترف الإسرائيليّون أنفسهم لاحقًا أنَّ القوام الرئيس للقوَّة المنفِّذة قد تنكَّر أيضًا في زيٍّ مدنيّ رثّ يشبه ملابس النازحين.

وخلال التنفيذ في قلب المخيَّم، استخدمت الفرقة 98 الإسرائيلية كثافةً نيرانيَّة إجراميَّة مخالفة للمعايير العسكريّة وتوصيات القانون الدولي بشأن العمل في محيطٍ حضريّ ضيّق ومكتظّ بالسكَّان، ما أدّى إلى مذبحةٍ بكلّ معنى الكلمة، راح ضحيتها نحو 250 مدنيًّا بخلاف مئات الجرحى، فضلًا عمّا أخفاه الاحتلال وكشفه القسّام لاحقًا من خسائر في صفوف الأسرى أنفسهم.

الشبق للنصر

بمرور الوقت يتجلى باطّراد استعداد الإدارة الإسرائيليّة الحاليّة إلى القيام بأيِّ شيءٍ مهما كان؛ بحثًا عن نقطة انطلاق مقنعة لطمس كارثة الطوفان. وإزاء هذا الشره للصورة، تُرتكَب الجرائم وتُختلَق الأكاذيب وتُضخَّم الوقائع. بحيث يصبح العثور على حذاء السنوار، وبطاقات هُويّة لهنيّة، وصورة مشوَّشة للضيف، محطّات مهمّة في المعركة. وصولًا إلى اعتبار تحرير حفنة أسرى، ارتكب في الطريق إليهم سيلٌ من الجرائم الأخلاقيّة، وبدعمٍ مباشر من الحلفاء، بعد 8 شهور من الحرب، وما يزيد عن شهر من التدريب، لأكثر من ألف عنصر، في منطقة مستباحة، برًّا وجوًّا وبحرًا، ومجوَّعة، ومقطوع عنها الإمداد بالكليّة، وبتنفيذٍ لم يخلُ من الأخطاء العمليّة والكثير من التّوفيق والنيران الصديقة.. إنجازًا مشهودًا.

الخلاصة: لعملية النصيرات نشوة لحظيّة، تتبدد عند النظر في ملابساتها. وتتداعى كليًّا بالنظر إلى الصورة الكلية، خاصةً ما تبعها من وقائع مثل مقتل أربعة عناصر من لواء جفعاتي في منطقة الشابورة في رفح، وإثارة إدارة بايدن إمكانية فتح مفاوضات قنائية مع حماس لتحرير الأسرى الأمريكيين من حملة الجنسية المزدوجة لديها، وانفراط عقد مجلس الحرب بانسحاب غانتس وإيزنكوت، وصولًا إلى تشديد المقاومة تدابير حماية بقيّة الأسرى كما نوَّه أبو عبيدة.

مشاركات الكاتب