الملخص
تعكس الموافقة الإسرائيلية على هدنة مؤقتة جديدة – رغم أنها ليست الأولى منذ بداية الحرب – استمرار تفضيل المؤسسة الأمنية والعسكرية لخيار الاحتواء المرحلي، بدلًا من مواصلة تصعيد لا يملك الجيش فيه رؤية واضحة للنصر. فمع تآكل الجاهزية، وتعدد الجبهات المفتوحة، ومع الضغوط الدولية المتزايدة، تبدو الجهات العسكرية أكثر واقعية في التعامل مع ملف غزة، مقارنة بالخطاب السياسي المتشدد. لكن هذا التباين بين تقديرات الجيش ومواقف القوى اليمينية داخل الائتلاف يضع نتنياهو أمام معادلة معقدة: بين الحاجة لتقديم إنجاز سياسي يرضي المجتمع الدولي وعائلات الأسرى، وبين الحفاظ على تماسك حكومته التي ترى في أي هدنة تنازلاً يُقوّض الردع ويُكسب “حماس” شرعية إضافية.
ويعكس الحديث في إسرائيل عن التطبيع مع سوريا دون فتح ملف الجولان المحتل نمطًا مكررًا من السلوك السياسي الإسرائيلي يقوم على مبدأ “التطبيع الانتقائي”، أي فرض علاقات طبيعية مع الخصم دون تقديم تنازلات حقيقية في القضايا السيادية الجوهرية. ويأتي هذا التوجه في سياق أوسع يهدف إلى تحييد بيئات التهديد حول إسرائيل.
تخشى طهران من أن وقف إطلاق النار مع الاحتلال لا يعدو كونه إجراءً مؤقتًا لالتقاط الأنفاس، وليس تسوية سياسية حقيقية. لذلك لم تكتف بالتحذير من الرد على أي خرق إسرائيلي، بل طالبت مجلس الأمن بمحاسبة واشنطن وتل أبيب، في محاولة لتوسيع الحملة السياسية والدبلوماسية ضد إسرائيل. وذلك في تكرار الخروقات الإسرائيلية على أكثر من جبهة، لا سيما في جنوب لبنان وسوريا.
وتشير التطورات السياسية داخل إسرائيل إلى أزمة تآكل شرعية أعمق من مجرد خلاف على إدارة الحرب. فعودة التظاهرات إلى تل أبيب، وتصاعد الصدامات بين المستوطنين والمؤسسة العسكرية كما في إحراق منشأة عسكرية في الضفة الغربية، وتفاقم الخلافات بشأن قانون التجنيد، تعكس هشاشة الجبهة الداخلية، وانقسامًا يتجاوز اليمين واليسار ليطال علاقة المواطن بالمؤسسات. ويُفاقم من ذلك قرار تأجيل محاكمة نتنياهو في قضايا الفساد بذريعة “الظرف الأمني”، ما يُغذّي اتهامات بتسييس القضاء واستغلال الحرب لحماية رأس الحكومة. وفي هذا السياق، تصبح إدارة الهدنة والتصعيد غير محكومة فقط بتقديرات أمنية، بل رهينة اعتبارات البقاء السياسي في مشهد يتزايد فيه الضغط من الخارج، ويشتد فيه الانقسام في الداخل.