تفكيك المشهد الليبي (تشريح للواقع والفواعل)

اضغط لتحميل الملف

تفكيك المشهد الليبي (تشريح للواقع والفواعل)

المقدمة

تعد ليبيا نموذجًا فريدا للدولة في العصر الحديث، حيث ظلت لعقود دولةً بلا دستور أو مؤسسات حاكمة وبلا هيكلية سلطة واضحة ومفهومة، بالإضافة لانعدام الحياة السياسية فيها بشكل تام. فلم تُجرَ فيها انتخابات من أي نوع خلال مدة ناهزت نصف قرن تقريبا. وكانت الأحزاب والتيارات السياسية مجرمة بأنواعها. ولم تتأسس حتى أحزاب سياسية مؤيدة للنظام الحاكم. فوفقًا لفلسفة معمر القذافي التحزب يُعد خيانة، وهو الأمر الذي أفقر الثقافة السياسية في المجتمع، وصنع دولةً تفتقر لأدنى مقومات الشرعية، وخلق مناخا سياسيا سِمَـتُهُ الأبرزُ هي الفوضى استمر طوال حقبة حكم معمر القذافي. وبتفجر أحداث ثورات الربيع العربي برزت ليبيا كنموذج فريد مرة أخرى لخصوصية حالة الدولة. حيث ورث الشعب الفوضى التي عمت مؤسسات الدولة ونظامها الإداري والسياسي فبرز الاحتياج لخبرات إدارية وسياسية وبيئة خصبة للعمل السياسي وثقافة شعبية تعزز من قيم الوحدة والعمل الجماعي. وهو الأمر الذي افتقدته معظم مكونات الثورة.

 شكَّل الانقسامُ التاريخي للبلاد بين الشرق والغرب عاملا مهما في رسم ملامح المشهد السياسي بعد سقوط النظام بالإضافة لعامل انتشار السلاح والتدخلات الخارجية وغلبة المنطق القبلي والجهوي والمصلحة الفردية على العمل السياسي كنتيجة للانقسام الذي عزَّزه النظام بين المكونات الاجتماعية طوال حكمه الذي استمر  42 سنة. كل هذه العوامل كانت سببا في انقسام البلاد على نفسها وتفاقم حالة من التشظي الاجتماعي والسياسي فأصبح المشهد الليبي عسير القراءة على المتابع من الخارج لكثرة العناصر الفاعلة فيه وافتقادها لنهج سياسي واضح مما دفعها لتغيير ولاءاتها وإعادة التموضع في تحالفات مختلفة مع بداية كل مرحلة جديدة .

تهدف هذه الورقة لاستعراض الواقع الليبي على الصعيدين العسكري والسياسي على امتداد مراحله السابقة منذ اندلاع الثورة الليبية وحتى هجوم 4 إبريل 2019 الذي شنته قوات خليفة حفتر على العاصمة طرابلس وما تبع ذلك من آثار  على المشهد السياسي والأمني، في محاولةٍ لتقديم رؤية شاملة للأحداث بالمرور على المحطات الرئيسية والفاعلين الرئيسيين خلال السنوات الماضية، وشرح التفاصيل المهمة فيها. كما سيقدم التقرير في بدايته استعراضًا تاريخيًّا موجزا لفترة حكم القذافي لفهم تركيبة “نظامه” والتغييرات الجذرية التي طرأت على هيكل الدولة وعلاقاتها الخارجية وممارسات نظام القذافي الأمنية وتطور مظاهر الاحتجاج وما صاحبها من تغييرات، والظروف والعوامل الداخلية والخارجية التي مهَّدت لإسقاطه في ثورة  17 فبراير.

أولًا: إنهاء الحياة السياسية في عهد القذافي وتفكيك الدولة

بدأ القذافي حكمه كأي حكم عسكري آخر بتعطيل الدستور وإنهاء الحياة السياسية في البلاد، لكن على عكس غيره من العسكريين لم يعمل القذافي على تقوية مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية ليُحكِمَ بها سيطرته على البلاد، وإنما عمل على تفكيكها وإضعافها عبر تشكيل كيانات موازية لا تملك صفة رسمية ولا تنضوي تحت مؤسسات الدولة كحركة اللجان الثورية وهي أشبه بتنظيم سياسي خاص يملك صلاحيات غير محدودة ونفوذا كبيرا على كل أجهزة ومؤسسات الدولة تقريبا. لم تخضع هذه اللجان لأي مؤسسة وكانت تتلقى أوامرها من القذافي فقط -خارج نطاق العمل المؤسسي وبعيدًا عن القانون والقضاء- ويقول عنها منصور الكيخيا في كتابه “ليبيا القذافي، سياسات التناقض” : (قرر القذافي منذ عام 1976 وقبل إعلان ما أسماه قيام سلطة الشعب، تأسيس طليعة سياسية أخذت شكل “لجان ثورية” تتلقى تعليماتها منه وحده، كما تكون مسؤولة أمامه وحده، وتقدم تقاريرها إليه مباشرة وتكون موازية لهياكل السلطة الشعبية و متغلغلة في كافة مفاصلها وتتحكم في حركتها وقراراتها…وعادة ما تكون للّجان الثورية الكلمة الفصل بالنسبة لموضوعات تتراوح بين ما يجب أن يدرسه الطلاب في المدارس والجامعات أو من يجب اختياره لأي منصب في اللجان الشعبية من قبل المؤتمرات الشعبية الأساسية. لقد تحولوا إلى “مصفاة” مهمتها إزاحة كافة العناصر غير الثورية من جميع المناصب في الحكومة الليبية)[1].

وقد برر القذافي هذه الفوضى والسلطة المطلقة الممنوحة لها بأن الثورة لا تنتهي وأن الكيانات والقيادات الثورية لا علاقة لها بالحكم وإنما تعمل على توجيه المؤتمرات الشعبية (البرلمان) واللجان الشعبية (الحكومة\الجهات التنفيذية) فهو ليس رئيسا للبلاد وإنما مرشد وقائد للجان الثورية. ويلخص القذافي مهام اللجان الثورية في 7 نقاط أشار لها في مؤتمر 1977:

  1. ترسيخ سلطة الشعب.
  2. ترشيد اللجان الشعبية (الجهات التنفيذية).
  3. تحريض الجماهير على ممارسة الثورة.
  4. تحريك المؤتمرات الشعبية (الحكومة).
  5. الإشراف على تصعيد المسؤولين (أي اختيار المسؤولين).
  6. ممارسة الرقابة الثورية.
  7. حماية الثورة والدفاع عنها[2].

هذا التنظيم الذي شكله القذافي بانتقاء رجاله ونسائه عبر التنظيم الشعبي في 1970 والاتحاد الاشتراكي في 1971، كان له الدور الأهم في تفكيك مؤسسات الدولة وتشكيل جماهيرية القذافي الجديدة. وعن هذا يقول ديرك فاندويل في كتابه “ليبيا منذ 1969، عودة لثورة القذافي”: (لقد كانت اللجان الثورية مسلحة بشرعية الثورة وكانت تهيمن على عملية إصدار القرار في كل مؤسسات الدولة تقريبا –باستثناء قطاع النفط والمؤسسة العسكرية- . ومنذ  عام 1979 هيمنت اللجان الثورية على الحياة السياسية، وأصبحت مهمتها الأساسية حماية النظام وقد ساهم في هذا تبعية هذه اللجان لمكتب القذافي بشكل مباشر وكونها مكونة من أتباع مخلصين لعقيدة القذافي .. وقد قدَّر الدكتور محمد خلف الله في 2002 أن عدد عناصر اللجان الثورية يقدر بستين ألف عنصرٍ. وكانت هذه اللجان الثورية مسلحة تسليحا جيدا ومدربة وقد أظهروا كفاءتهم بتصديهم لانقلاب 1984 الذي قامت به الجبهة الوطنية للإنقاذ .. وقد منح القذافي  اللجان الثورية صلاحيات مطلقة في القبض على “أعداء الثورة” والتحقيق معهم وتصفيتهم، كما منحهم صلاحيات قضائية لإنشاء محاكم ثورية والتي أدت لحوادث قتل عديدة من 1980 وحتى 1986)[3].

لعبت اللجان الثورية منذ عام 1977 دورا أساسيا في الفصل بين السلطة الرسمية والسلطة غير الرسمية في ليبيا. وتم توظيفها كأداة لضرب أي مجموعة تهدد النظام بما في ذلك الجيش، ولم تقتصر مهمة التفكيك على كيانات الدولة الإدارية بل توسعت لتشمل كل جهة لا يأمن القذافي جانبها كالصحف، والنقابات العمالية، واتحادات الطلبة، والمؤسسات الخاصة، إذ كان يرى القذافي أن الثورة لابد أن تكون شاملة فهي ثورة على كل ما كان قبله من أفكار ومؤسسات ونمط حياة. ومن هذا المنطلق بدأ القذافي عملية إعادة هيكلة سياسية\اجتماعية\اقتصادية – وفقا لنظرية سماها النظرية الثالثة[4]– بوسائل تباينت بين التصفية والاعتقال ومصادرة الأملاك تارة والخطب والمؤتمرات – التي حلت محل القوانين- وتشكيل كيانات ثورية تؤسس النظام الجماهيري تارة أخرى.

بعد إطلاق القذافي ما سماه الثورة الشعبية في 1973 هاجمت اللجان الثورية الجامعات والمعاهد والنقابات والإذاعة وبقية المؤسسات الإعلامية، كما داهمت المكتبات والسجل العقاري وأحرقت الكتب والوثائق العقارية وهو ما كان بمثابة إعلان بداية عصر الفوضى والتفكك الذي امتد لأربع عقود تقريبا، وبحلول منتصف الثمانينات كان القذافي قد ألغى الدستور، وجرَّم الأحزاب والعمل السياسي، وفكك الجيش والقضاء، وألغى القوانين، وأمَّم الشركات، وأطلق يد اللجان الثورية في عمليات التصفية الجسدية داخل البلاد وخارجها، وجرَّد أكثر من 80 ألف عائلة من أملاكها[5]. وفكك النقابات العمالية واتحادات الطلبة، وسن قانون العقوبات الجماعية الذي يقتضي معاقبة أسر وأقرباء المعارضين موسعا بذلك رقعة أعداء “الثورة” لتشمل حتى من لم يكن له نشاط سياسي ،فأصبحت البلاد في حالة فوضى تامة.

لم يُبقِ القذافي على أي هامش من الحقوق واتخذ إجراءات راديكالية امتدت لتنال كل من لم يؤمن بنظرياته وكتابه الأخضر. وبهذه الوسائل خلق القذافي دولة ومجتمع يتماشيان مع رؤيته وأحكم قبضته على البلاد عبر زرع اللجان الثورية -التي كان يشبهها بملائكة كتابة الأعمال والصحابي أبي بكر الصديق- في كل مكان وسلطها على كل أجهزة الدولة ومؤسساتها. وحتى يُقدِّر القارئ حجم الفوضى ويفهم الحالة النفسية للقذافي والمناخ السياسي والأمني المخيم على البلاد آنذاك سنستعرض أجزاءً من خطاباته في تلك الحقبة:

خطاب للطلبة في 7إبريل 1976: أريد ثورة ثقافية تغسل مخكم العفن هذا ،وإذا كان عدو الثورة سيقود الطلبة فأنتم جميعا قطيع غنم، أنا قرأت بعض النشرات التي يكتبها بعض الهلافيت من الجامعة، وقد جاء الوقت لقطع أيديهم ثم رقابهم… إن الذي يحدث الآن هو تشكيل “لجان ثورية” في كل كلية من الكليات، تقوم بتصفية القاعدة الطلابية وهيئة التدريس .. إن أرادوها بسلام وإلا فلتكن بالدم .. لابد من تشكيل لجان ثورية في كل مكان ومهمتها تنقية القاعدة الطلابية وتنقية هيئة التدريس[6].

خطاب في 7 فبراير 1978 : اللجان الثورية ليست لجانًا إدارية، أو لجانا شعبية كما هو معروف بهذا الاسم، ولكن هي لجان ثورية، لا تصدر قرارات، ولا تعزل، ولا تحبس وتطلق [سراح]، ولا تحاسب، ولكنها تراقب رقابة ثورية، ولا تحاكم أحدا، اللجان الثورية تقيّم تقييمًا ثوريًّا وتقوم بقيادة الجماهير في اتجاه تأكيد سلطة  ..إن اللجان الثورية هي التي ستشرف على إعادة اختيار قيادات المؤتمرات الشعبية في جميع أنحاء الجماهيرية. وعلى اللجان الثورية في كل مكان من الجماهيرية أن تستنفر كل قواها، وأن تكون على مستوى هذه المهمة الثورية العظيمة[7].

خطاب في 9 إبريل 1979: المطلوب هو سحق أعداء الثورة في الداخل والخارج، من يريد أن يتحدى الثورة من الداخل فهذا أمره مفروغ منه سنداهم موقعه ولو كان مسجدا. وإذا كان في الخارج علينا أن ننتقل إليه في الخارج وننفذ فيه حكم الإعدام. عليكم أنتم اللجان الثورية أن تنفذوا هذا الحكم ولو كان في القطب الشمالي أو الجنوبي .. نحن نعدم الأبرياء أحيانا بقصد إرهاب الجاني الحقيقي الذي قد لا يكون معروفا في تلك الفترة.

ثانيا: الاحتجاجات الشعبية ضد القذافي

بدأت الاحتجاجات على سياسات القذافي ونظرياته منذ السنوات الأولى، واتخذت أشكالا متعددة على مراحل. فاتسمت الاحتجاجات الشعبية واحتجاجات المعارضة بالسلمية حتى 1980، واقتصرت مظاهر العنف في فترة السبعينات على ممارسات النظام مع المعارضين بأطيافه، حيث قام القذافي منذ السنة الأولى بمحاربة الحركة الطلابية وشن حملة على الإسلاميين بأطيافهم بدأها بتسليم عناصر من جماعة الإخوان لنظام عبد الناصر بعد انقلابه مباشرة وبلغت ذروتها إثر إعلان “الثورة” الثقافية في 1973 [8]، فلم يستثنِ من هذه الحملة أي طيف من أطياف المعارضة فاعتقل قادة الحركة الطلابية وأساتذة الجامعات وأعضاء الجماعات والتجمعات الإسلامية، كما تم القبض على أغلب الشخصيات المستقلة المحسوبة على التيار الإسلامي، وبهذا تمددت حالة القمع تدريجيًّا لتشمل شريحة كبيرة من المجتمع، وفي ظل هذا المناخ بدأت حقبة جديدة من المواجهة مع النظام تصدرها الإسلاميون أفرادا وجماعات.

تخلل الاحتجاج السلمي للمعارضة احتجاجات “عنيفة” من داخل النظام تمثلت في محاولات انقلاب فاشلة على القذافي بدأت بمحاولة وزير الدفاع المقدم آدم الحواز ووزير الداخلية موسى اللحاسي في 1969 والتي أعدم القذافي على إثرها عشرات الضباط[9]، ثم تلتها محاولة انقلاب فاشلة أخرى خطط لها عبد الله عابد السنوسي ابن عم الملك السابق في 1970 واعتُقِل على إثرها المئات من أبناء عمومته في سبها، كما فشلت محاولة أعضاء مجلس قيادة الثورة بقيادة عمر محيشي  في 1975 -الذي ذُبح حرفيا- بعد تسليمه من قبل دولة المغرب مقابل 200 مليون دولار  ومليون برميل نفط ومليون طن قمح –حسب شهادة عضو مجلس قيادة الثورة عبد المنعم الهوني الهوني وشهادة عبد الرحمن شلقم مندوب ليبيا في الأمم المتحدة[10]، كما فشلت محاولة رئيس الأركان السابق الأطيوش في 1980[11]، تبعها فشل انقلاب إدريس الشهيبي -مسؤول أمن القذافي في طبرق في 1980. ويقدر عدد محاولات الانقلاب على القذافي من داخل النظام ست محاولات آخرها محاولة تمرد -مجهولة التفاصيل- في مصراتة خلال عام 1994 .

كانت هذه المحاولات مؤشرا على احتجاج مبكر لمعظم العسكريين المشاركين في انقلاب 1969 على استفراد القذافي بالسلطة ونظرياته الشاذة وممارساته القمعية التي بدأت منذ السنة الأولى بعد الانقلاب بتوجيهات من عبد الناصر وهيكل –حسب شهادة اثنين من رفاقه عبد المنعم الهوني وعوض حمزة[12] – إلا أنها محاولات انقلاب لم تحظَ بزخم شعبي ربما لكونها من داخل النظام أو لطبيعة العمل الأمني.

وبحلول بداية الثمانينات تحولت معظم المعارضة بأطيافها إلى العمل العسكري والأمني باستثناء بعض الحركات غير  الفعالة وجماعة الإخوان المسلمين التي آثرت الاستمرار في نهج المعارضة السلمي وتكثيف النشاط الدعوي السري والأعمال الخيرية [13].

ومن أبرز كيانات المعارضة آنذاك “الجبهة الوطنية للإنقاذ” وهي حركة المعارضة الأكبر والوحيدة التي حظيَت برعاية دولية وإقليمية حيث رعتها وساعدتها دول إقليمية وعربية مثل السودان وتشاد والمغرب والجزائر والعراق كما أنها حظيت بدعم وتشجيع دولي من الولايات المتحدة وبريطانيا وكان لها عمليتان استهدفتا اغتيال القذافي : عملية باب العزيزية 1984 وعملية 1993 التي شارك فيها عسكريون من النظام -جرى إعدامهم – وباءت المحاولتان بالفشل بسبب وشايات وتسرب معلومات[14].

أما النصيب الأكبر من المواجهة مع النظام ومحاولات اغتيال القذافي كان من نصيب الإسلاميين، حيث شهدت فترة الثمانينات والتسعينات عدة محاولات لاغتيال القذافي وعمليات استهدفت رؤوس النظام ومراكزه الأمنية. وكان للجماعة الإسلامية المقاتلة الحظ الأوفر منها حيث نفذت عمليات بارزة في أعوام 1986 و1987 و 1989 تعرضت على إثرها لحملات قتل واعتقال واسعة ففي عام 1989 شهدت البلاد أكبر حملة اعتقالات في تاريخها قبض فيها النظام على أكثر من خمسة آلاف من الإسلاميين.

عادت الجماعة للمشهد من جديد بعد ست سنوات بعملية استهدفت اغتيال القذافي في سرت 1995 وأخرى استهدفته في براك الشاطئ في عام 1996 وأخرى استهدفته في الجبل الأخضر في عام 1998. فبلغت محاولات اغتيال القذافي على يد الجماعة ثلاث محاولات ،كما كانت هناك  عمليات أخرى على يد كتائب الشهداء وأفراد من الإسلاميين لا ينتسبون لجماعات معينة كعملية اغتيال أحمد مصباح الورفلي -الذي كان يعتبر ذراع النظام اليمنى- في بنغازي 1986 [15].

و يمكن القول إن الإسلاميين وعلى رأسهم “الجماعة الإسلامية المقاتلة” حققوا أطول وأخطر تصادم مسلح مع النظام حيث استمرت عملياتهم طوال فترة الثمانينات والتسعينات على امتداد ليبيا، وأظهرت فيها هذه المجموعات القدرة على الاستمرار والانبعاث بعد تلقي ضربات موجعة من النظام تمثلت في حملات الاعتقال الواسعة – التي طالت حتى الأهالي -وعمليات الحصار التي استخدم فيها النظام الطائرات والمدرعات والأسلحة الثقيلة والغاز السام -كما في حصار درنة 1996[16] – وعمليات الإبادة الجماعية كما حدث في مجزرة أبوسليم (1996) [17].

ثالثا: العلاقات الخارجية في حقبة القذافي

 على صعيد الشأن الخارجي اتسمت علاقة القذافي بالدول المحيطة وغير المحيطة بالعدائية والتذبذب. ولم تكن لليبيا علاقات مستقرة مع أي دولة سوى إيران. فقد قطع القذافي العلاقات مع أكثر من 35 دولة، وفشلت كل تجارب الوحدة العربية التي أطلقها في صيغها الرباعية والثلاثية والثنائية مع مصر والسودان وسوريا وتونس والمغرب مما أدى لتوتر العلاقات وقطعها مع هذه الدول بل وصل الأمر لخوض نزاعات مفتوحة مع بعضها، فقد دعم محاولات الانقلاب على النميري ودعم جون قرنق والجيش الشعبي لتحرير السودان ثم لعب دورا مزدوجا في أزمة دارفور تارة بدعم الأطراف المناوئة لنظام البشير وتارة بالتوسط لإحلال السلام[18]، وتورط في الحرب الليبية-التشادية، ودعم الحركات الانفصالية في أفريقيا وأوروبا وآسيا وأمريكا الجنوبية لزعزعة نظم الحكم[19]، ودخل في نزاع مع نظام صدام حسين فزود الإيرانيين بصواريخ بعيدة المدى خلال حربهم ضده[20]، ولعب دورا في الحرب الأهلية اللبنانية.

 كما تورط القذافي في محاولات اغتيال فاشلة منها محاولة اغتيال الملك السعودي السابق عبدالله بن عبدالعزيز، وملك المغرب الحسن الثاني، ومحاولات لإسقاط رئيس الوزراء التونسي الأسبق الهادي نويرة[21]. ولم تقتصر مغامرات القذافي على مناوئة نظم الحكم والرؤساء بل تجاوزتها لتنفيذ تفجيرات وعمليات اغتيال استهدفت المدنيين، فقام بتفجير مقهى في برلين عام 1986 وتفجير طائرة بانام 103 في حادثة اللوكربي الشهيرة في عام 1988، وتفجير طائرة فرنسية في أجواء النيجر عام 1980[22] كما كانت له يد في حادثة خطف وزراء النفط في فيينا 1975[23].

استمر نظام القذافي في عزلته الخارجية حتى نهاية التسعينات عندما بدأ بالسعي لتحسين العلاقات مع الغرب عموما والولايات المتحدة خصوصا عبر تسويات مالية وتنازلات سياسية في ملفات كثيرة أهمها ملف النفط والسلاح. فوافق على دفع تعويضات ضحايا حادثة لوكيربي، وسلم المتهمين بارتكاب الحادثة للمحاكمة الدولية كما دفع تعويضات عن تفجير الطائرة الفرنسية وتفجير المقهى في برلين وقتل شرطية بريطانية[24] وسعى للتعاون مع الولايات المتحدة في ملف محاربة الإرهاب، وفتح البلاد للشركات الغربية، وفكك برنامجه النووي، وسلم الأسلحة الكيماوية، ووجه صفقات التسليح نحو الغرب،كما عزز من التعاون المخابراتي مع بريطانيا، ودعم ساركوزي وبيرلسكوني في حملاتهما الانتخابية[25]، وهو ما مثل تحولا جذريا في موقف النظام المعلن من هذه القضايا.

رابعا: حقبة الإصلاحات على يد سيف الإسلام

صاحب تغيرات السياسة الخارجية للنظام ظهور دور نجل القذافي سيف الإسلام في المشهد السياسي، وبروز بصمته بوضوح على سياسات النظام الداخلية، والتي تمثلت في :

  1. إنشاء صحيفتين ناقدتين لأوضاع البلاد والترخيص للكتّاب أن يعملوا فيهما.
  2. التصالح مع «الإخوان المسلمين» والإفراج عنهم من المعتقلات.
  3. الإفراج عن عدد من سجناء الجماعة الإسلامية المقاتلة واستصدار مراجعات فقهية من قيادات الجماعة[26].
  4. تعويض المواطنين المصادرة أملاكهم وأرزاقهم بقرار من القذافي في 1978.
  5. تعويض المعتقلين الذين اعتقلوا في السجن لسنوات دون إدانة.
  6. تعويض أهالي قتلى مجزرة أبوسليم.
  7. تعويض أهالي الأطفال المحقونين بدماء ملوثة بفيروس الإيدز[27].
  8. فتح المجال للتظاهر والمطالبة بالحقوق.
  9. فتح الباب للمعارضة في الخارج للعودة وإدماجها في مشروع ليبيا الغد[28].

تمكن النظام بهذه الأساليب وغيرها من تحييد  شريحة واسعة من المعارضة، ومن التخفيف من حالة الاحتقان الشعبي التي لم تلبث حتى تفجرت في 17 فبراير 2006 في شكل مظاهرات عنيفة بمدينة بنغازي استمرت عدة أيام راح ضحيتها 11 قتيلا ومئات الجرحى. وقد عمل النظام إثرها على احتواء المتظاهرين بتعويض أهالي القتلى ومعالجة بعض الجرحى في الخارج، فعزل أمين الأمن العام “نصر مبروك” ووزير الداخلية العميد “صالح رجب المسماري” وفتح تحقيق معهما.

هذه الخطوات (احتواء الغضب الشعبي عبر محاسبة المسؤولين،التعويض المادي، التغاضي عن الهتافات المطالبة بإسقاط القذافي -وهو ما كان يُعد سابقا جريمة تصل عقوبتها للتصفية أو المؤبد-)،عُدت تعبيرا عن التغير الذي طرأ على سياسات نظام القذافي في التعامل مع حالات الاحتجاج مع بداية الألفية الجديدة وبروز نجله سيف الإسلام في المشهد السياسي وظهور بصمته على سياسات النظام[29].

خامسا: الثورة الليبية والأيام الأولى

لم تنجح “إصلاحات” النظام في معالجة المشاكل الجذرية التي خلفتها تراكمات أربعة عقود من المظالم والفساد والفوضى، وبدأت إرهاصات الثورة الليبية منذ أواخر شهر يناير حيث ظهرت نداءات على مواقع التواصل تدعو للنزول للشارع والتظاهر، وسرعان ما توجت بمظاهرات سلمية شارك فيها عدد من الحقوقيين والمحامين يوم 14فبراير 2011 إلا أنها تطورت لمواجهة غير متكافئة بين المتظاهرين وكتائب القذافي الأمنية بعد قيام الأخيرة باعتقال وضرب عدد من النشطاء والمحامين الموكلين بقضية مذبحة أبوسليم. وبالرغم من بدء الاحتجاجات يوم 14 وسقوط أول أعداد من القتلى يوم  15 إلا أن الحملات الإلكترونية الداعية للانتفاضة والثورة كانت قد حددت تاريخ 17 فبراير يوما للثورة للإشارة إلى ذكرى آخر مواجهة عنيفة خاضها أهل بنغازي مع قوات الأمن في 17 فبراير2006،حيث شكلت رمزية تلك الأحداث التي ظلت عالقة في ذاكرة الشارع الليبي نقطة انطلاق وتجمع للحشد للثورة.

ارتكبت كتائب القذافي مجزرة بشعة أمام أسوار كتيبة الفضيل بوعمر -أهم وأكبر معاقل النظام الأمنية في بنغازي- حيث استهدفت المتظاهرين برشاشات مضادة للطيران من عيار 12.5 و14.5 و23 مم كما أنها استهدفت الجنائز والمتظاهرين في مناطق أخرى بالرصاص الحي مما تسبب في سقوط أكثر من 150 قتيلا خلال الأيام الأولى من الثورة[30]. وتطورت الأحداث وتركزت تجمعات المتظاهرين أمام مقر الكتيبة، وتمكن الثوار من اقتحام مكتب عبد الفتاح يونس -وزير الداخلية وآمر قوات الصاعقة- وطالبوه بإعلان انشقاقه مما سبب حالة ربكة للقوى الأمنية والعسكرية في بنغازي. وتمكن الثوار بالتوازي مع ذلك من اقتحام معسكر الكتيبة يوم 20 فبراير2011 مما كان بمثابة إعلان تحرير المنطقة الشرقية.

شكَّل سقوط الكتيبة يوم  20 فبراير علامة فارقة في مسيرة الثورة، فخرج عبد الفتاح يونس في اليوم التالي ليعلن انشقاقه عن النظام مما دفع مسؤولين آخرين على امتداد مراحل الثورة الأولى للانشقاق كعبد الرحمن شلقم -مندوب ليبيا في الأمم المتحدة- وعبد الرحمن العبار –النائب العام- وسليمان محمود آمر المنطقة العسكرية بطبرق وغيرهم من المسؤولين داخل البلاد وخارجها. كما أعلنت قوات الصاعقة عن انحيازها لمطالب الشارع وسعت لإخلاء معسكر كتيبة الفضيل أبوعمر ومسؤولي النظام بداخله دون اقتتال، ونجحت في إخراجهم من المدينة عبر المطار. وفي ظل انهيار منظومة القذافي في الشرق بين هارب ومنشق تحولت دشم ومخازن التسليح الضخمة بداخل الكتائب والمعسكرات لمصادر تسليح للثوار وهو ما شكل بداية المرحلة الثانية من الثورة.

تزامنا مع الانتفاضة في الشرق الليبي تحركت مدن المنطقة الغربية كمصراتة والزاوية والزنتان ومدن الجبل الغربي وطرابلس منذ الأيام الاولى،إلا أن قبضة النظام في الغرب كانت أقوى، ونجح في إخماد الاحتجاجات في معظم هذه المدن خلال الأيام الأولى، واستمرت معارك الكر والفر حتى سقطت أغلب هذه المدن بالحصار والقصف تباعا مما ألقى بعبء المعركة الأكبر على مدينة مصراتة التي لم تشهد المواجهات فيها انقطاعا منذ بداية الأحداث.

سادسا: المواجهة العسكرية والتدخل الدولي

انتقلت الثورة للمرحلة الثانية وحمل ثوار الشرق السلاح، وبدأوا بالحشد والتجهيز في معسكرات النظام للانطلاق نحو أجدابيا والبريقة وراس لانوف (مدن الهلال النفطي). ونجحوا في تحرير هذه المدن لكنهم سرعان ما وقعوا ضحية كمائن عسكرية فأُسر وقُتل عدد كبير منهم وتراجعوا لبنغازي. واستمرت معارك الكر والفر حتى 16مارس 2011 حيث شنت قوات النظام هجوما عنيفا على عدة جبهات شرقا وغربا، واستمر الهجوم لعدة أيام استعاد فيها النظام السيطرة على عدة مدن مثل أجدابيا والبريقة شرقا ونالوت وككلة غربا، لكن عجز النظام عن السيطرة على مدن كمصراتة والزنتان.

المرحلة الثالثة من الثورة الليبية

مثَّل تاريخ 19 مارس 2011 بداية المرحلة الثالثة من عمر الثورة إذ شهد في نصفه الأول مواجهات عنيفة ودامية مع قوات النظام شرق البلاد وغربها ثم شهد نصفه الثاني بداية من الساعة 6 مساءً انطلاق عملية “فجر الأوديسا” أو “الحامي الموحد” لتحالف الناتو بموجب القرار 1973 لمجلس الأمن والتي تولى تنفيذها بشكل أساسي كل من فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة، وكانت هذه بداية التدخل الأجنبي الذي قلب الموازين العسكرية لصالح الثوار.

استمرت ضربات التحالف من الطائرات والبوارج الفرنسية والأمريكية والبريطانية، لكن كانت فرنسا الأكثر مشاركة وحماسة ففي حين أحجمت أوروبا والولايات المتحدة عن التدخل العسكري دفعت فرنسا بقوة نحو هذا الخيار، ونجحت في تمرير القرار بدعم بريطاني\أمريكي -لاحقا- كما أنها كانت أول من اعترف بالمجلس الانتقالي كممثل شرعي وحيد لليبيا. وكانت فرنسا سباقة في إرسال وفودها للبلاد، ولم تتردد -في مرحلة متقدمة من عمر الثورة- في تجاوز حدود تفويض عملية فجر الأوديسا لتنقل المهمة من حماية المدنيين وفرض حظر جوي إلى “إسقاط النظام” عبر تكثيف الضربات الجوية والبحرية على معسكرات قوات القذافي، وإرسال خبراء ومستشارين عسكريين لتقديم الدعم للثوار[31] .

تكبدت قوات القذافي خسائر كبيرة وأُجبرت على التراجع على إثر ضربات التحالف، ورغم تضعضع قوات القذافي وتراجعها، إلا أن ضربات التحالف في الجبهة الشرقية شهدت جمودا لفترة من الزمن، وتبع هذا الجمود ظهور خلافات بين أعضاء التحالف للعلن، فأعلنت الولايات المتحدة عن سحب معظم قواتها من المهمة وواجهت على إثر ذلك انتقادا فرنسيا لاذعا، لتعلن بعدها بأيام أنها لم تنسحب من المهمة بالكامل[32].

ومن خلال المواقف الدولية التي أحاطت بالأحداث آنذاك يمكن استشفاف أن الدول الرئيسية في التحالف لم تتفق على استراتيجية موحدة لهذه العملية، وفي مرحلة لاحقة بدا واضحا أن “المجتمع الدولي” لم يهدف ابتداءً  لإسقاط النظام وإنما لإضعافه عسكريا والضغط عليه عبر العقوبات لإيجاد “حل وسط”. ويعزز هذه المزاعم أن التدخل العسكري الغربي جاء بعد مرور أكثر من شهر على اندلاع الثورة وسط تردد وعزوف معظم الدول عن العمل العسكري. وقد سبق التدخل العسكري مساع دبلوماسية ومطالبات دولية وإقليمية متكررة للقذافي بالتنحي عن السلطة للوصول لحل وسط،فبعد اجتماع الاتحاد الأفريقي مع مسؤولين بريطانيين يوم 7 مارس 2011 أصدر بيانا يدعو فيه للحل السلمي في 11 مارس 2011، ودعت الجامعة العربية أيضا في اليوم التالي لإيجاد “حل وسط”. كما أكد على هذا المسار رئيس الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي في 13 مارس2011 بعد اجتماعه مع الجامعة العربية في القاهرة[33]. وتتابعت الدعوات من أطراف دولية وإقليمية لدعم هذا المسار. ويبدو أن القذافي أوحى للأطراف الدولية عبر قنوات التواصل أن هذا ممكن حيث صرح رئيس الوزراء الفرنسي فرنسوا فيون، الذي أقرّ بأن مبعوثي حكومة القذافي على اتصال بالعديد من أعضاء حلف الأطلسي،أن “حلًا قريبًا بدأ يتبلور”[34]. وبالنظر لموقف فرنسا الحماسي من التدخل العسكري مقارنة بالدول الأخرى كانت هذه التصريحات تعبيرا واضحا عن غياب إجماع دولي على ضرورة إسقاط النظام.

لم يعارض المجلس الانتقالي –ممثل الثوار السياسي- هذا المسار إلا أنه تكتم على هذه النوايا حتى جاء إعلان مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا عبد الإله الخطيب الذي تحدث فيه عن نية الطرفين في الشرق والغرب البحث عن حل سياسي للأزمة. كما صرح مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الانتقالي في وقت لاحق أنه كان يأمل أن يتم التوصل لحل وسط حيث قال في لقاء مع صحيفة المجلة في 21 أكتوبر 2013 : “كنت أعول على أن يكون خطاب سيف الإسلام متوازنا فلو خرج به على عامة الشعب لكان بإمكانه أن يخلف والده”،كما ذكر في نفس اللقاء أن مبعوث الأمم المتحدة عبد الإله الخطيب عرض عليه المصالحة مع النظام، فاشترط عبد الجليل إيقاف إطلاق النار وإخراج القذافي قواته من طرابلس. كما صرح أنه كان يعول على مسؤولين من النظام النظام لتولي زمام الأمور في المنطقة الشرقية وضرب مثالا بأبوزيد دوردة رئيس الوزراء الأسبق ومسؤول الأمن الخارجي في النظام وأكد أنه لو تولت هذه الشخصيات زمام الأمور لتمت المصالحة على حد تعبيره[35].

يؤكد هذا مسار الأحداث على الأرض، حيث شهدت عمليات حلف الناتو جمودا لفترة طويلة مما عطل تقدمات الثوار في الجبهة الشرقية. وقد ظلت الجبهة الشرقية مجمدة لفترة طويلة لأسباب مجهولة. وتم تعليل هذا الجمود آنذاك بكونه ضمن استراتيجية التدرج التي يتبعها الناتو، كما تم استهداف آليات الثوار حين حاول بعضهم التقدم دون تنسيق مع التحالف، وصنفت هذه الضربات المتكررة كضربات خاطئة لحلف الناتو[36].

جمود الجبهة الشرقية

جمود الجبهة الشرقية وشدة المعارك في مصراتة وتزايد أعداد القتلى فيها، دفع العديد من المقاتلين من شرق البلاد للتوجه نحو المدينة المحاصرة عبر البحر. ومع انتقال تركيز النظام من الشرق إلى الغرب ونقله قواته من سرت إلى مصراتة لاستعادة السيطرة على المدينة، واستمرار  تدفق الثوار عليها وشراسة المقاومة، فُرض واقع جديد أصبحت فيه المعركة على المدينة عامل حسم في نجاح الثورة أو فشلها. ورغم شدة المعارك منذ الأيام الأولى إلا أن حلف الناتو لم يبدأ بتوجيه ضربات لقوات القذافي المحاصرة للمدينة إلا يوم 12 إبريل 2011، وهو ما قوبل باستهجان من الثوار”[37]. وفي المجمل فإن الموقف الدولي من التدخل شهد ترددا وعزوفا كبيرا من معظم الدول –حتى تلك التي شاركت في القصف-كما أن الخلافات الدولية على قيادة العملية وتذبذب الموقف الأمريكي الداخلي سبب ربكة، وربما لولا الإصرار الفرنسي والتماهي البريطاني الأمريكي معه لم نكن لنشهد تدخلا عسكريا البتة.

بداية التمثيل السياسي للثوار

مع سقوط المنطقة الشرقية في يد الثوار برزت الحاجة لتمثيل سياسي يعبر عن مطالبهم. فأُعلن عن تأسيس المجلس الوطني الانتقالي يوم 28 فبراير 2011 بعد اجتماع في مدينة البيضاء يوم 23 فبراير 2011 عقده عسكريون ومسؤولون منشقون عن النظام وقادة قبائل وشخصيات محلية أخرى تفاوتت بين محامين ورجال أعمال ونشطاء. تشكل المجلس في معظمه من شخصيات منشقة عن النظام، فكان على رأسه مصطفى عبد الجليل –وزير العدل سابقا-، ووزير الداخلية عبدالفتاح يونس الذي أصبح قائدًا عسكريًا -إلى أن اغتيل في 28 يوليو 2011. وتولى إدارة المجلس التنفيذي محمود جبريل –أمين مجلس التخطيط والتطوير الاقتصادي- كما ضم  المجلس معارضين مغتربين كعلي الترهوني ومحمود شمام  وغيرهم من شخصيات لازالت مجهولة حتى اليوم، فالمجلس بدأ بثلاثين عضوًا وتضخم حتى تجاوز ثمانين عضوا كما أنه أبقى على سرية بعض أعضائه لأسباب أمنية آنذاك[38].

شاب هذا التمثيل الكثير من الغموض ونتج عن هذا توتر  وانعدام ثقة في المجلس من قبل أهالي بعض المناطق ومعظم الثوار المقاتلين ،إلا أن ضرورة المرحلة دفعت الجميع للتغاضي عن مخاوفهم المشروعة حتى يتم التحرير. وقد نجح المجلس الانتقالي على الصعيد الخارجي بسبب الدعم الدولي إلا أنه كان فاقدا للشرعية الثورية في الداخل لاكتظاظه بمسؤولين من النظام السابق وشخصيات أخرى صنفت “غير ثورية” في تقييم الشارع الليبي. وكان هناك فصام واضح منذ الأيام الأولى بين التمثيل السياسي للثورة وقواها العسكرية على الأرض. ومع سقوط نظام القذافي وتحديد منتصف 2012 موعدا للانتخابات، بدأت عمليات الاستقطاب السياسي والمناطقي وآثارها تظهر بوضوح.

سابعا: جذور الأزمة وأقطاب الثورة

خرجت قوى الثورة العسكرية من المعركة مع النظام أكثر قوة بعد استيلائها على ترسانة  أسلحة القذافي الضخمة. وكانت كمية السلاح الأكبر من نصيب مدن المنطقة الغربية التي حظيت بالنصيب الأكبر من القتال ضد النظام وخصوصا مصراتة والزنتان. ولعبت الكثافة السكانية وتركز جزء كبير من ترسانة النظام بمناطق محاذية لهذه المدن دورا كبيرا في هذا. ونظرا لتهلهل المؤسسات العسكرية والأمنية في عهد القذافي تولت هذه الكتائب مهام الأمن والعسكرة فور انتهاء الحرب. وبطبيعة الحال تضخم عدد التشكيلات العسكرية فور انتهاء الحرب وبرزت تشكيلات وشخصيات لم تشارك بشكل فعال أو لم تشارك مطلقا في الحرب التي استمرت 8 أشهر وقُدر عدد “الثوار” المسجلين رسميا بأكثر من 200 ألف بينما لم يتجاوز العدد الحقيقي على امتداد مراحل الثورة 30 ألفَ مقاتلٍ في كل أنحاء البلاد[39].

شكل هذا التضخم الغطاء المناسب لأزلام النظام السابق والمناطق الموالية لهم لإعادة إنتاج أنفسهم وتسليح مناطقهم وقبائلهم عبر الانضمام لهذه الكتائب وتشكيل تكتلات قوية داخلها. وقد سهل هذا كون هذه الكتائب مناطقية بالدرجة الأولى نتيجة عوامل عدة كالآتي :

  1. التركيبة الاجتماعية للبلاد، فالهوية القبلية تلعب دورا مهما في المجتمع الليبي.
  2. مسار الأحداث في الثورة، فالتشكيلات العسكرية تأسست على أساس الدفاع عن مدنها ومناطقها.
  3. السياسات المتبعة من قبل النظام السابق في تغذية النزعة المناطقية والقبلية باللعب على وتر الصراعات التاريخية وتناقض المصالح بين القبائل والأقاليم.
خريطة المكونات العرقية في ليبيا
خريطة المكونات العرقية في ليبيا

أشعلت هذه النزعة بالإضافة للجرائم التي ارتكبتها قبائل موالية للنظام خلال الثورة فتيل الصراعات المحلية بين المناطق، وكان لها بمعية الدعم الخارجي الدور الأهم والأكبر في تشكيل خارطة التحالفات في المراحل القادمة. وبالرغم من أن الاستقطاب الأيديولوجي والمصالح الحزبية لعبت دورا مهما في تشكيل المشهد أيضا إلا أنها كانت ثانوية في المراحل الأولى.

كحال المؤسسة الأمنية والعسكرية كان القضاء مؤسسة ضعيفة وغير موثوقة عند الليبيين مما جعل من عملية أخذ الحقوق بقوة السلاح ورد المظالم حالة سائدة. فتصاعدت أعمال العنف والانتقام التي جاء معظمها على شكل حوادث اغتيال لأعضاء اللجان الثورية وعساكر النظام السابق وضباط الأمن الداخلي وكان أبرزها حادثة اغتيال وزير الداخلية السابق عبد الفتاح يونس العبيدي والتي تبعها حوادث عنف وانتقام كان أبرزها اقتحام مسلحين لمبنى وزارة الداخلية لتحرير أحد المتهمين باغتياله كما تبع ذلك صدام بين تشكيلات من ثوار بنغازي وقبيلة العبيدات التي هددت بإغلاق النفط والطرقات ردا على اغتيال عبدالفتاح العبيدي [40].

انتشار السلاح في ظل المظالم المتراكمة عبر عقود وغياب مؤسسات الأمن والقضاء أدى إلى إنتاج ظروف غير مستقرة في البلاد، وسرَّع من الصدام بين قوى الثورة والكتائب والشخصيات المنشقة عن النظام خصوصا في شرق البلاد الذي تحرر في مدة وجيزة ولم يحظ بفرصة لغربلة صفوفه لاندماج مكونات المنطقة في وعاء الثورة.

انهالت التوصيات الدولية على المجلس الانتقالي بضرورة جمع السلاح وتفكيك ميلشيات الثوار ودمجها تحت قيادة “الجيش”[41] قبل أن تتوغل في مفاصل الدولة وتدخل خط العمل السياسي محملة بهذا الكم الهائل من السلاح، إلا أن هذا كان مستحيلا لعدة أسباب منها:

  1. غياب ثقة الثوار في تمثيلهم السياسي.
  2. التنافس القبلي والمناطقي على الريادة والمكاسب –والذي تحول لاحقا لنزاعات مسلحة وفرت غطاء لنزاعات أخرى.
  3. التخوف من عودة أزلام النظام السابق بثوب الثورة على رأس الأجهزة الأمنية والعسكرية.
  4. تمسك الثوار بالمكاسب المادية والسياسية التي حققوها حيث كانوا على يقين من ضياعها فور تسليمهم السلاح أو حل كتائبهم.
  5. تمسك الثوار بمطالبهم بتصفية الجيش من الرتب العليا وأزلام النظام.

في ظل هذه الأجواء المشحونة بالقلق من كل هذه القضايا العالقة (عودة الأزلام، التنافس القبلي المناطقي، غياب الثقة في التمثيل السياسي، تضخم الكتل الثورية) وفي ظل غياب قضاء يضمن الحقوق ويرد المظالم، وغياب مؤسسات عسكرية وأمنية راسخة قادرة على استيعاب كتائب الثوار، وغياب أي تطمينات للقوى على الأرض بدأت معركة استقطاب التحالفات بين القوى العسكرية والسياسية تتبلور وبالأخص بعد انتخابات المؤتمر الوطني التي أجريت في منتصف 2012. فظهر قطبان في المشهد، قطب التيار الإسلامي والتيار الثوري. وكانت كتائب ثوار مصراتة والزاوية ومعظم ثوار بنغازي الطرف الأبرز في هذا الحلف. وقطب حلف المهمشين –إن صح التعبير- المكون  من بعض الليبراليين والعسكريين وبعض القبائل والمدن التي تضررت وفقدت امتيازاتها بسقوط النظام وتغير موازين القوى بعد الثورة. وقد نجح هذا التحالف في استقطاب كتائب ثوار الزنتان وتشكيل كتائب مكونة في معظمها من عناصر من النظام السابق تحت غطاء القبيلة لتكون ممثله على الأرض. وبدأ الصراع بين الطرفين ومحاولات بسط النفوذ على المرافق الاستراتيجية والمؤسسات السيادية مبكرا خصوصا في المنطقة الغربية حيث يوجد أكبر تجمع للقوى العسكرية، وحيث العاصمة طرابلس التي ضمت المؤسسات والمرافق المهمة.

ثامنًا: الإسلاميون ودورهم في المشهد 

لطالما كان الإسلاميون محركا قويا للأحداث في البلاد، ومع بداية الثورة برزوا كفاعل مهم على الساحة العسكرية والسياسية منذ الأيام الأولى، ولعب رجاله دورا مهما في العمل العسكري على الجبهتين الشرقية والغربية فبرزت شخصيات عسكرية كمحمد المدني من الزنتان، ومفتاح الذوادي وعبدالمنعم المدهوني من صبراتة، وعبد الحكيم الحصادي وسالم دربي من درنة، وفوزي بوكتف وعبد الجواد البدين وإسماعيل الصلابي ومحمد الغرابي من بنغازي، وعبد الحكيم بالحاج ومهدي الحاراتي وخالد الشريف من طرابلس، وعبد الوهاب القايد وأحمد الحسناوي وجبريل البابا من الجنوب، ومحمد الكيلاني وشعبان هدية من الزاوية، وغيرهم الكثير من مختلف مناطق ليبيا ممن لا يسع المقام لذكرهم. وكل هؤلاء نشطوا في مقاومة نظام القذافي،أما في المشهد السياسي فكان التمثيل الأبرز لحزب جماعة الإخوان (حزب العدالة والبناء) بعدد 17 مقعدا في المؤتمر الوطني من أصل 80 مقعدا مخصصة للأحزاب و17 مقعدا من أصل 120 خصصت للمستقلين، وحظيت بقية الأحزاب الإسلامية كحزب الوطن وحزب الرسالة وحزب الأصالة وحزب الأمة وحزب الإصلاح والتنمية بإجمالي 27 مقعدا من أصل 200، حيث شكلت مقاعد الزاوية ،طرابلس ،بنغازي النسبة الأكبر فيها .

ورغم قلة عدد المقاعد( 61 مقعدا من أصل 200) إلا أن الإسلاميين كان لهم الحضور الأقوى سياسيا لأسباب عدة أهمها:

  1. حضورهم القوي في الثورة .
  2. التحالف مع أهم قوى الثورة.
  3. انتماءات أعضائهم لمناطق ومدن ثورية.
  4. تمتعهم بتمثيل عسكري قوي على الأرض .
  5. تخبط الكتلة البرلمانية للخصم السياسي الأبرز ( تحالف القوى الوطنية).

حضور الإسلاميين القوي على الساحتين السياسية والعسكرية لم يقابله حضور ليبرالي بنفس القوة فعلى الصعيد السياسي لم يكن “حزب” تحالف القوى الوطنية” الذي تزعمه الليبرالي محمود جبريل والذي حظي ب64 مقعدا من إجمالي 200مقعد حزبًا ليبراليًّا بالمفهوم الصحيح فقد كان “الحزب” تحالفا يضم مجموعة من الشخصيات المحلية ذات الشعبية ورجال الأعمال ورجال النظام السابق مثل[42]:

  1. سفير ليبيا السابق بإيطاليا حافظ قدور -الذي ظل مواليا للنظام حتى وقت متأخر من الثورة ووصف نفسه في مكالمة مسربة مع السنوسي بأنه مخلص للنظام.
  2. عبد الرحمن شلقم الذي شغل مناصب عدة في حقبة القذافي انتهاءً بتعيينه مندوبا لليبيا في الأمم المتحدة.
  3. رجل الأعمال عبد المجيد مليقطة من الزنتان الذي كان على علاقة بالنظام قبل أن يؤسس كتيبة القعقاع في الثورة, وكانت له قنوات تواصل مع دولة الإمارات في مرحلة مبكرة.
  4. رجل الأعمال إسماعيل اشتيوي المقيم بدولة الإمارات، والذي زود حفتر لاحقا بمدرعات إماراتية في حرب بنغازي.
  5. رجل الأعمال جمعة الأسطى -عضو سابق في اللجان الثورية- مالك قناة العاصمة كما دعم الحزب رجل الأعمال الشهير حسن طاطناكي صاحب قناة ليبيا أولا -المشهور بعدائه للإسلاميين.

ملخص القول إن التحالف لم يكن حزبا ليبراليا بقدر كونه تكتل يمثل المتضررين من أوضاع ما بعد الثورة،خصوصا بعد إقرار المؤتمر الوطني قانون العزل السياسي الذي يقتضي منع كل من عمل مع النظام عن تقلد أي منصب في أجهزة الدولة – وهو القانون الذي فرضه الثوار بقوة السلاح بمحاصرة البرلمان لمدة 12ساعة[43]– مما أدى لزيادة حدة الصراع لما نتج عنه من استبعاد تام لمعظم أعضاء التحالف وبعض أعضاء المؤتمر الوطني الممثلين لمناطق الجنوب ومناطق أخرى مثل بني وليد.

أما على الصعيد العسكري فلم تكن هناك قوى مناوئة للإسلاميين ذات توجه ليبرالي وإنما بعض القوى المنشقة عن النظام وكتائب تشكلت بعد الثورة تمثل المدن والقبائل “المنهزمة” مثل (بني وليد، ترهونة، سرت، سبها، غدامس، ورشفانه) التي تحالفت مع كتائب الزنتان (القعقاع، الصواعق) –التي تعد الجناح العسكري لتحالف القوى الوطنية – مثل كتيبة الأوفياء في ترهونة وكتيبة 138 مشاة في رقدالين وبقايا كتائب النظام في بني وليد وكتيبة الصاعقة في بنغازي التي يكن لها الإسلاميون العداء -كونها القوة التي اعتمد عليها القذافي بقيادة عبد الفتاح يونس لشن حملة شرسة على الإسلاميين في شرق البلاد في أواخر التسعينات.

هيمن تحالف الثوار والإسلاميين على المشهدين الأمني والعسكري فكانوا على رأس اللجنة الأمنية العليا التي تولت مهام أجهزة الأمن ونجحوا في تشكيل تكتلات وتحالفات عسكرية كبرى حلت محل الجيش، وفي مقدمتها قوات درع ليبيا التي انضوت تحت رئاسة الأركان بقيادة -يوسف المنقوش- وضمت تحتها معظم الكتائب الثورية الكبرى، كما شكلوا المجلس الأعلى لثوار ليبيا بقيادة وسام بن حميد –القائد العسكري لمجلس شورى ثوار بنغازي لاحقا- وغرفة عمليات ثوار ليبيا -التي كان لها الدور الأبرز في فرض قانون العزل السياسي- كما كانوا على رأس معظم المجالس العسكرية، واستطاعوا الهيمنة على وحدات حماية الحدود. وبالرغم من حضور هذا التحالف القوي إلا أنه لم يحتكر قطاع الأمن والعسكرة فقد كان لتحالف “المهمشين” الذي نجح في استقطاب بعض التشكيلات الثورية حضور بارز في المدن والمواقع المهمة ك: طرابلس وبنغازي ومنطقة الهلال النفطي وقد انضوت معظم مكونات هذا الحلف تحت وزارة الدفاع بقيادة أسامة الجويلي من الزنتان –آمر المنطقة العسكرية الغربية حاليا-، كما حرصت كتائب الزنتان على السيطرة على منشآت النفط في المنطقة الغربية.

عند الحديث عن الإسلاميين لا يمكن إغفال التيار الجهادي. فبالرغم من أنه يشكل النسبة الأقل ضمن الطيف الإسلامي والثوري لكنه لم يكن أقل أهمية من بقية التيارات في التأثير في سير الأحداث، فكان له دور بارز في القتال ضد النظام قبل وأثناء الثورة كما كان له الدور الأبرز في مواجهة قوات خليفة حفتر وتحالف قوى “الثورة المضادة” في 2014.  وعلى عكس كل مكونات الثورة لم يكن للتيار دور في الصراع على النفوذ السياسي، وظهر على الساحة من خلال نشاطات مدنية : كالأعمال الخيرية وتسيير قوافل الإغاثة -داخل البلاد وخارجها- وتقديم بعض الخدمات الصحية والمالية كتقديم معونات للمحتاجين وتأسيس عيادات مجانية وتأمين مرافق صحية كمستشفى الجلاء في بنغازي كما نشط في المؤتمرات الدعوية وتنظيم المظاهرات وطباعة المناشير والكتب محاولا إيصال رسالته وتحسين صورته عبر هذه الوسائل. ورغم أن التيار الجهادي الليبي عزل نفسه عن صدامات ما بعد الثورة، ولم يشارك في تشكيل أجهزة الدولة الأمنية وصراعات بسط النفوذ على المؤسسات، إلا أنه كان المتهم الأول –إعلاميا- بعمليات الاغتيال التي استهدفت عسكريين من النظام السابق، وقد أثار انشغال التيار بجمع السلاح وتهريبه عبر الحدود للدول المجاورة وإعداد معسكرات تدريب وتنظيم الدورات العلمية لاستقطاب عناصر جديدة قلقا غربيا انعكس على موقف بعض الأطراف المحلية[44].

اقتصر التمثيل الرسمي للتيار الجهادي على جماعة أنصار الشريعة التي تأسست في بنغازي منتصف 2012 بعد انشقاق معظم مؤسسيها عن كتيبة راف الله السحاتي –أكبر تشكيل عسكري إسلامي في البلاد،أشرفت الجماعة على معظم النشاطات السابق ذكرها، ولم يكن للتجمعات الجهادية الأخرى خارجها دور كبير. فالجماعة نجحت في استقطاب كثير من أفراد هذه التجمعات لما أبدته من نظام وقدرة على تنظيم فاعليات كالأعمال الخيرية والندوات العامة والدورات العلمية والأهم من هذا معسكرات التدريب على السلاح.

تنامى القلق المحلي من التيار خصوصا بعد بروز جماعة أنصار الشريعة في عدة مناطق مهمة كبنغازي ودرنة وسرت وصبراتة وقيامها بتأسيس جناح عسكري ونشر منشورات تَسِمُ الديمقراطية بالكفر وتحرم العملية الانتخابية في ظل غياب الشريعة الإسلامية وقيامها بهدم الأضرحة الصوفية وظهور خطاب يعادي الولايات المتحدة الأمريكية وينتقد سياساتها تجاه العالم الإسلامي. وجاءت أحداث الهجوم على القنصلية الأمريكية ومواقع أخرى تابعة لجهاز المخابرات المركزية الأمريكية يوم 11 سبتمبر 2011 لتفجر القلق الغربي والمحلي المتنامي من التيار الجهادي الليبي. ورغم إنكار الممثل الرسمي للتيار –جماعة أنصار الشريعة- لمشاركتها بشكل رسمي في الهجوم إلا أن الاتهامات وُجِّهت نحوها، فالتصريح الرسمي للجماعة حمل غموضا كبيرا كما أن خطابها المعادي للولايات المتحدة الأمريكية عزز هذه الاتهامات، وصاحب ذلك ثبوت مشاركة أفراد محسوبين عليها في الهجوم مما أدى لبروز التيار  الجهادي الليبي وممثله الرسمي كخطر دولي[45].

ظلت أنصار الشريعة الممثل الوحيد للتيار الجهادي حتى برز تنظيم الدولة في أواخر عام 2014، ونجح في استقطاب العديد من الشخصيات البارزة المنتسبة لأنصار الشريعة ،وقد ساهم في ذلك عدة عوامل أبرزها:

  1. عدم استعداء تنظيم الدولة لجماعة أنصار الشريعة في المراحل الأولى للحصول على الدعم منها.
  2. الترويج لمفهوم “أخوة المنهج” في أوساط الجماعة مما فتح الباب للتنظيم لترويج آرائه داخل الجماعة بأريحية .
  3. دعوة التنظيم بعض الأتباع لعدم إعلان بيعتهم والالتزام بمواقعهم داخل المجموعات الأخرى. وكان المثال الأبرز هو مسؤول اللجنة الشرعية في أنصار الشريعة أبو عبد الله محمد الترهوني[46].

نجح التنظيم في تكوين قواعد له في بنغازي ودرنة وسرت وصبراتة واستطاع في وقت لاحق أن يحل محل أنصار الشريعة في سرت لينفرد بإدارة المدينة ولتصبح معقلَه الأكبر بينما فشل في درنة بعد أن استطاع مجلس شورى مجاهدي درنة التغلب عليه في 2016 وظل يحافظ على تواجده في بنغازي حتى انسحب منها إلى سرت في 2017 .

شكل نجاحُ الإسلاميين في الصعود والانتشار –خلال فترة 2011-2014- وتكوين تحالفات عميقة وراسخة مع التيار الثوري مصدرَ قلقٍ لأطرافٍ محلية ودولية وقد ظهر هذا بوضوح في تسريبات مراسلات مبعوث الأمم المتحدة برناردينو ليون لوزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد والتي سنأتي على ذكرها لاحقا. وبالرغم من نجاحهم في الهيمنة على المشهدين السياسي والأمني إلا أنهم فشلوا على الصعيد الإعلامي في مواجهة الخطاب الموجه ضدهم، وأخفقوا على الصعيد الاجتماعي في استقطاب المكونات القبلية ومنعها من الانحياز لمعسكر “الثورة المضادة” -وهو ملف معقد لارتباطه بتركة النظام وعلاقة كثير من الشخصيات القبلية به- ورغم الجهود المبذولة من قبل بعض الشخصيات الإسلامية المستقلة في هذا الملف، إلا أن حالة الاستقطاب ودور الإعلام والأطراف الخارجية كان لها الأثر الأكبر على تشكيل خارطة التحالفات. كما كان لعمليات الاغتيال التي استهدفت شخصيات ساعية في هذا الملف دور مهم في إفشال هذه المساعي ومن أبرزها اغتيال الشيخ “منصور البرعصي” في 16 مايو 2014 على يد مسلحين “مجهولين”في مدينة بنغازي[47].

تاسعاً: القبلية وتركة النظام

لعب كيان القبيلة دورا مهما في بناء هيكلية الدولة الليبية وصياغة ملامحها، فكان للقبيلة الدور الأهم في صياغة المواقف السياسية من الغزو الإيطالي للبلاد ومثلت وعاء المقاومة في المنطقة الغربية بينما كان للحركة السنوسية الدور الأبرز في صياغة المواقف السياسية وقيادة المقاومة في المنطقة الشرقية، ثم صارت هذه القبائل جزءًا من النظام السياسي في عهد المملكة بعد نيل الاستقلال، فتم تقاسم السلطة والأدوار على أساس المحاصصة القبلية وقد تم توزيع مقاعد مجلس الشيوخ آنذاك بناءً على هذا الأساس بغض النظر عن الكفاءة والقدرة على ممارسة الدور المنوط بهم. ولم تعرف تلك الفترة توظيفا سلبيا أو استغلاليا للقبائل إذ كانت الدولة تراعي المطالب القبلية والحساسيات بين المناطق والقبائل، إلا أن هذا تغير بانقلاب 1969. ففي بداية مسيرته حاول القذافي تهميش دور القبيلة بحكم انحداره من قبيلة ضعيفة (القذاذفة)، لكن هذه السياسة لم تستمر بعد محاولات الانقلاب عليه فحرص على إعادة دور القبيلة للمشهد بتقوية قبيلته وأبناء عمومته عبر عقد تحالفات مع قبائل مثل المقارحة والورفلة وأولاد سليمان واستطاع أن يضم أبناء قبائل عربية من مصر وموريتانيا لقبيلته ووطنهم في مناطقها[48]. وفي المقابل لعب القذافي على التناقضات والصراعات بين القبائل الأخرى كالمغاربة والزواوات والتبو والزوية وبني وليد ومصراتة وغيرها من النزاعات التاريخية، ووظَّف هذه النزاعات لتكون أداة من أدوات الحكم.وكان خليفة احنيش القذافي هو ضابط الجيش المسؤول عن ملف القبائل ثم تولى إدارة الملف عمر اشكال القذافي.

 أحاط القذافي نفسه بحزام من القبائل صنفت كقبائل درجة أولى ونالت امتيازات اقتصادية (ميزانيات الدولة، أراضٍ، إدارة طرق تهريب)، ولم تحظ بذلك القبائل الأخرى. وبالتالي تكوَّنَ نظام اجتماعي كانت هذه القبائل على رأسه، وأصبح التقرب للشخصيات النافذة فيها وسيلة لنيل الامتيازات والتقرب من النظام. لكن هذا لا يعني أن القذافي استبعد القبائل الأخرى عن المناصب المهمة فكان لكل قبيلة -حتى الأقليات – مسؤولون وشخصيات أمنية كبيرة تمثل نافذة القبيلة على النظام فكان من العبيدات عبد الفتاح يونس وسليمان محمود وامبارك عتيق، ومن العواقير السنوسي الوزري وعبد الرحمن العبار، ومن المغاربة امبارك الشامخ، ومن الورفلة عمران بوكراع ومن الزوي أحمد محمود الزوي وعبد الرحمن الصيد وهذا على سبيل الذكر لا الحصر. وقد حرض القذافي الشعب على المطالبة بحقوقه من خلال القبائل وممثليهم -الذين اختارهم القذافي- في النظام وبهذا ضمن ولاء هذه الشخصيات التي أكسبها نفوذا على القبائل، وضمن خضوع القبيلة لهذه الشخصيات وتقديم الولاء لها مما حول دور القبيلة لدور أمني بالدرجة الأولى.

الأقليات غير العربية

أما الأقليات غير العربية مثل الطوارق والتبو فقد وظفهم القذافي كورقة عسكرية وسياسية. فشكل من الطوارق وحدات عسكرية مقابل منحهم الجنسية الليبية وقام بجلبهم من مالي والنيجر وضمهم لوحدات عسكرية خاصة قاتلت خارج البلاد في لبنان ومالي كما استغل التبو كورقة ضغط على تشاد والنيجر وأبعدهم عن المناصب المهمة. وظلت معظم مكونات هذه القبائل مهمشة، وسُحبت الجنسية من التبو في التسعينات ثم في عام 2008 وجرى حرمانهم من خدمات التعليم والصحة والتعيين في وظائف الدولة، وظلت مناطق هذه القبائل دون أي تطوير أو بنى تحتية بينما عزز القذافي نفوذ خصومهم العرب “الزوية”[49]. أما الأمازيغ فكان لهم نصيبهم الوافر من التهميش في ظل موجة العروبة والقومية وقد وصف القذافي -في خطاب 1997- الدفاع عن الأمازيغية بأنه “مؤامرة استعمارية”[50].

المصالح القبلية

لقد ارتبطت مصالح القبيلة طوال حقبة القذافي بالشخصيات المتنفذة في نظامه، ومع انهيار النظام في الثورة وجدت القبيلة نفسها على الهامش فلم يكن للقبائل موقف جماعي واضح من الثورة بل خرجت بعض الشخصيات القبلية كصالح الاطيوش أحد أعيان قبيلة المغاربة في  14 فبراير 2011، وعقيلة صالح –رئيس برلمان طبرق- في14فبراير2011 في بيانات مبايعة لنظام القذافي[51].

هذه العوامل (ارتباط مصالح القبيلة بالنظام،غياب موقف جماعي من الثورة، انحياز بعض الشخصيات البارزة للنظام، وانطلاق الثورة من مدن بنغازي ودرنة) أفقدت المكون القبلي في الشرق دوره في حراك الشارع وقيادة المعركة طوال عمر الثورة.

الخريطة القبلية في ليبيا
الخريطة القبلية في ليبيا

 تجاوزت حالة الثورة الشعارات والنزعات القبلية وبسقوط كامل المنطقة الشرقية خلال مدة قصيرة -خمسة أيام- وهيمنة الثوار عليها اختفت كل الأصوات القبلية الموالية للنظام مما سمح بضم كل مكونات المنطقة الشرقية القبلية تحت غطاء الثورة وهو ما لم يحدث في المنطقة الغربية حيث استمر القتال حتى مقتل القذافي مما أدى لظهور أطراف قبلية ومناطق والت النظام وقاتلت معه كورفلة،ورشفانة، تاورغاء، ترهونة، سرت، رقدالين وغيرها من المناطق والقبائل بينما قاتلت أطراف أخرى النظام كمصراتة،الزاوية، جبل النفوسة وككلة، والزنتان،  وهو الأمر الذي كان له الأثر الأكبر في إشعال النزاعات بين هذه الأطراف بعد انتهاء الثورة في حين لم تشهد المنطقة الشرقية نزاعات بين القبائل والمناطق بل أخذ النزاع فيها شكلا آخر بسبب انصهار القبائل والشخصيات الموالية للنظام في بوتقة الثورة.

طغى المناخ الثوري على المنطقة الشرقية، ولم توظف النزعة القبلية في الصراع العسكري إلا لاحقا في عملية الكرامة -حيث استغلت كراهية القبائل الشرقية للثوار ذوي الأصول الغربية لحشد القوى القبلية لقتالهم-  بينما أخذ الصراع مع الموالين للنظام في المنطقة الغربية طابعًا قبليًّا مناطقيا في مرحلة مبكرة وقد ساهم هذا في تشكيل خارطة التحالفات السياسية والعسكرية والذي انعكس بدوره على المنطقة الشرقية، فاصطفت كتائب ثوار الشرق مع المكونات الثورية بالمنطقة الغربية مما دفع بمكونات قبائل المنطقة الشرقية التي تجاوزتها الثورة لتوثيق تحالفها مع تيار الثورة المضادة”.

المطالبة بدولة فيدرالية وحكم ذاتي

في ظل نشأة هذه التحالفات، برز تيار آخر خارج سياق الصراع الثوري الجاري، تيار  له مطالبه وأجندته الخاصة به التي لم تلقَ اهتماما من أي من مكونات الساحة –حتى من حلفائه- وهو التيار الفيدرالي الذي ظهر بتمثيل رسمي لأول مرة في مارس 2012 في مؤتمر أعلن فيه عن تشكيل مجلس برقة التأسيسي وجيش برقة بقيادة حميد الحاسي –عقيد سابق في الجيش- طالب فيه التيار بالحكم الذاتي ومقاطعة الانتخابات واعتصم مؤيدوه لاحقا في الموانئ النفطية، وأغلقوا الطرق المؤدية لغرب البلاد، وهاجموا بعض مراكز الانتخاب في بنغازي كما هاجموا طائرة مروحية تحمل موادًّا خاصة بالانتخابات بالرشاشات احتجاجًا على توزيع المقاعد في المؤتمر الوطني العام[52].

خريطة أقاليم ليبيا
خريطة أقاليم ليبيا

ورغم أن المنطقة الشرقية حظيت بستين مقعدا في المؤتمر الوطني (البرلمان) وتحصلت على وزارة سيادية (الدفاع) و6 حقائب وزارية في حكومة زيدان (الصحة، الإسكان، الشؤون الاجتماعية، الثقافة، الزراعة) كما كان منصب نائب الرئيس من نصيب المنطقة وتم تعديل تقسيم مقاعد لجنة صياغة الدستور إلى 20 مقعدا لكل إقليم استجابة لمطالب الشرق إلا أن احتجاجات التيار تصاعدت حتى بلغت مرحلة إغلاق الموانئ النفطية في 2013 ، وهو ما استمر لقرابة ثلاث سنوات تكبدت خزانة الدولة فيها خسائر تقدر بمبلغ 125 مليار دولار. كما عمل جهاز حرس المنشآت -بقيادة إبراهيم الجضران- على ابتزاز المؤتمر الوطني ومطالبته بأكثر من 300 مليون دولار كمستحقات للجهاز[53].

جدير بالذكر أن عمليات إغلاق النفط لم تقتصر على الشرق فقد قامت كتائب الزنتان بإغلاق منشآت النفط عدة مرات للضغط على المؤتمر الوطني، وقد شجعت عمليات الإغلاق وسائل إعلام تحالف “الثورة المضادة” على النكاية في خصومهم الذين كانوا في واجهة الحكم. وقد عادت عمليات الإغلاق بنتائج كارثية على اقتصاد البلاد، فبالإضافة إلى مبلغ 125مليار دولار كلف إغلاق كتائب الزنتان حقول النفط 25 مليار دولار[54].

اقتصر دور التيار الفيدرالي منذ ظهوره على “التشويش” ولعِبَ دورًا في زعزعة الاستقرار أكثر من التيارات الأخرى، فإغلاق الموانئ النفطية تسبَّبَ في أزمة اقتصادية استنفذت الاحتياطي النقدي الذي تراجع من 120 مليار دولار في 2012 إلى 70 مليار دولار في 2016 [55]مما سبب انخفاضا كبيرا في قيمة العملة الليبية مقابل الدولار. ورغم علو صوت التيار إلا أنه لم يحظَ بشعبية كبيرة لأسباب عدة منها:

  1. تركيبة مدن بنغازي ودرنة السكانية حيث ترجع أصول نسبة كبيرة من سكانها للغرب الليبي -فالتيار يغلب عليه العنصر القبلي العنصري.
  2. عدم وجود أطراف داخلية و خارجية قوية داعمة لمطالب التيار.
  3. طغيان الطابع القبلي على التيار واتسامه بالعنصرية والجهوية -وهي نزعة تم توظيفها لحشد أنصار التيار خلال القتال في عام 2014.
  4. أعمال التخريب التي قام بها التيار في مراحل مبكرة، واستمرت في التصاعد، وتسببت بخسائر مالية ضخمة.

وقد فشل التيار الفيدرالي في تحقيق أي من مطالبه بعد تفجر الصراع في 2014 وانضمامه لتحالف “الثورة المضادة” لافتقاره لمقومات الاستقلال والقيادة ولسيطرة خليفة حفتر ومن خلفه حلفائه الإقليميين على القرار السياسي لهذا التحالف.

النزعة القبلية والحياة السياسية

لا شك أن النزعة القبلية المناطقية لعبت دورا كبيرا في تشكيل ملامح الساحة السياسية في مرحلة ما بعد الثورة، لكن غلب على هذا الدور طابع التوظيف. ففي كل الصراعات السياسية لم تكن القبيلة فاعلًا سياسيًّا مستقلا وإنما كانت مفعولا به. ويتضح هذا في فقدان القبيلة -ممثلة بوجهائها والشخصيات النافذة فيها- لموقف سياسي خاص بها أو معبر عن رؤيتها السياسية المستقلة لأي من القضايا المهمة والمحورية في الصراع الدائر وإنما يأتي “موقف” القبيلة تأييدا لهذا الطرف أو ذاك متأثرا بالمصالح والغنائم الممكن تحصيلها. و لا يخلو الأمر من وجود شخصيات بارزة تنتسب لهذه القبائل تملك مواقف سياسية مستقلة لكن عندما يتعلق الأمر بالتمثيل الرسمي للقبيلة فالمواقف السياسية المستقلة تغيب تماما.

وعليه فإن القبيلة تعد عنصرا مهما وفاعلا في الصراع لكنها ليست محركة للأحداث. ويتجلى هذا بوضوح في ضعف التيار الفيدرالي سياسيا فرغم امتلاكه لكل وسائل الضغط والقوة العسكرية اللازمة لإحداث تغييرٍ إلا أن دوره لم يتعدَّ “التخريب” في مراحله الأولى 2012-2013 والتوظيف من قبل “الثورة المضادة” بعد هذا. فالتيار يخوض حاليا حربًا في طرابلس تحت قيادة خليفة حفتر يعارضها معظم أنصاره .

الشواهد على غياب الإرادة والهوية السياسية في القبيلة كثيرة ولعل هذا من تركات النظام السابق إذ حرص على تغييب دور القبيلة ككيان اجتماعي إلا في سياق خدمة النظام وربط موقف القبائل بممثليهم فيه، وهذا جرَّدَ القبيلة من مكانتها ودورها ككيان مستقل. فجاء دور معظم القبائل بعد الثورة مماثلا لما كان عليه قبلها مع اختلافات بسيطة بسبب انتشار السلاح الذي عزَّزَ من قدرة القبيلة على مساومة السلطة على مغانم ومكاسب محددة. وبالتالي تلخص دور القبيلة في البحث عن الغنيمة ومنافسة القبائل الغريمة عليها دون اعتبار للعواقب السياسية.

عاشرًا : الصدام بين الثورة والثورة المضادة

مقارنة بدول الربيع العربي تُعد ليبيا الأكثر تعقيدا عندما يتعلق الأمر بفهم خارطة التحالفات ومكوناتها. ويرجع ذلك لكثرة العناصر الاجتماعية والعسكرية والسياسية الفاعلة. لكن حالة الاستقطاب التي ظلت تتضح يوما بعد يوم صهرت هذه العناصر في معسكرين. معسكر المنتصرين بعد الثورة ومعسكر المنهزمين أو الثورة والثورة المضادة. هذا التلخيص مخل حين يتعلق الأمر بالقراءة الدقيقة لطبيعة مكونات هذه التحالفات وأهدافها لكنه يعطي فهما عاما لمسار الأحداث والصراعات الدائرة .

كانت أهم العوامل التي صاغت تحالف الثورة المضادة :

  1. قانون العزل السياسي.
  2. هيمنة الثوار والإسلاميين على المشهدين العسكري والأمني.
  3. تجاوز الثوار كيان القبيلة وارتباط مصالحها بعناصر من النظام السابق.
  4. التمويل الخليجي والدعم الدولي.
  5. التنافس المناطقي القبلي.
  6. الجهوية في الشرق – والتي كانت محركًا أساسيا للقوى القبلية للانضمام لتحالف الثورة المضادة لطرد الثوار ذوي الأصول الغربية.

لقد شكَّلت هذه العوامل نقطة التقاء مصالح بين أهم عناصر الثورة المضادة (تحالف القوى الوطنية، التشكيلات والشخصيات العسكرية الموالية للنظام، القوى القبلية). ولضعف موقف هذا التحالف على الصعيدين العسكري والسياسي لجأ لمواجهة تحالف الثورة بوسائل أخرى فعمل على محورين:

  1. تفكيك الكيانات والتحالفات الثورية العسكرية.
  2. إسقاط المؤتمر الوطني .

 حيث بدأت الثورة المضادة في حشد المظاهرات أمام مقرات كتائب الثوار مطالبةً بحلها وإبدالها بقوات من “الجيش”. ورغم غلبة الطابع المدني على هذه المظاهرات إلا أنها لم تخلُ من حمل المتظاهرين السلاح والمتفجرات محلية الصنع مما أدى لتبادل إطلاق النار وسقوط ضحايا وقتلى في بعضها، كان أبرزها :

*مظاهرات 8 يونيو 2013 أمام أحد مقرات قوة درع ليبيا في بنغازي سقط فيها 32 قتيلا من المتظاهرين المسلحين وقتيلان من كتيبة (درع1)[56].

*مظاهرات 15 نوفمبر 2013 أمام مقر درع الوسطى في طرابلس سقط فيها 31 قتيلا ومئات الجرحى بعد تبادل إطلاق نار بين المهاجمين وأعضاء الكتيبة[57].

كما تم حشد مظاهرات شبه أسبوعية طالبت بإسقاط المؤتمر الوطني العام (البرلمان)، وقد كان الإعلام العامل الأكبر في تحريك هذه المظاهرات حيث كانت معظم القنوات الإعلامية آنذاك تتحدث باسم هذا الحلف –إذ كانت معظمها مملوكة لرجال أعمال موالين له[58]– بينما لم يقابل هذه الوسائل سياسات تصدي ناجحة من تحالف الثورة، فكان لسقوط هذا العدد من القتلى أثر كبير في تأجيج الشارع ونتج عنه إخلاء مواقع هذه الكتائب لصالح “الجيش” وفشل إعلام الثورة في وضع الأمور في سياقها ومواجهة الاتهامات التي سِيقت ضد الثوار.

أشكال الصراع بين معسكري الثورة

اتخذ الصراع بين معسكري الثورة والثورة المضادة أشكالا متعددة، فكان هناك الصراع المناطقي بين مصراتة والزنتان، والزاوية وورشفانة في الغرب، والصراع بين التيار الفيدرالي وخصومه في الشرق، والصراع مع بقايا النظام، والصراع بين الإسلاميين ومناوئيهم،فاصطفت هذه الأطراف مع الأقرب لها قيميا ومصلحيا ضد خصومها لكن تحالف الثورة المضادة كان أكفأ في إدارة الصراع لأسباب عدة أهمها:

  1. كثافة الدعم الخارجي الذي بدأ في مراحل مبكرة.
  2. تركز القرار السياسي والنفوذ العسكري في يد جهة واحدة (خليفة حفتر بدعم إماراتي).
  3. قوة الدعاية الإعلامية.
  4. اجتماع معظم مكونات الحلف على ضرورة الحكم العسكري.
  5. توحيد الجهود العسكرية والإجماع على ضرورة الحل العسكري مع الخصوم .

فضلا عن غيرها من الأسباب والعوامل التي كان الكثير منها يتعلق بسوء إدارة تيار الثورة للصراع، وإساءة استخدام النفوذ، وتنظيم قوى الثورة نفسها في أطر مناطقية متفرقة،وغياب قيادة موحدة، وتشتت الصف الداخلي والذي بلغ ذروته مع إعلان توقيع اتفاق الصخيرات في النصف الثاني من 2015 برعاية وإشراف بعثة الأمم المتحدة.

ذروة الصراع

فشلت قوى الثورة المضادة في إسقاط المؤتمر الوطني وتفكيك كتائب الثوار إلا أنها هيَّأَت الرأي العام لعمل عسكري ضد تلك المكونات. وقد هيأت خطوةُ إخلاء بعض معسكرات القوى الثورية في كل من بنغازي وطرابلس الظروفَ لزيادة نفوذها على الأرض. فاكتسبت كتائب الزنتان نفوذًا أكبرَ بخروج كتائب مصراتة من طرابلس، واكتسبت القوات الموالية لحفتر مواقع مهمة في بنغازي . وجاء إعلان حفتر انقلابه على المؤتمر وتجميده الإعلان الدستوري يوم 14 فبراير 2014 لينقل الصراع لمستوى حرب شاملة مفتوحة، فتبع تحركه هذا إمهال كتائب الزنتان المؤتمر الوطني ساعات لتسليم السلطة ثم هجومها على مقر رئاسة الأركان ثم الاستيلاء على شحنة أسلحة في مطار طرابلس الدولي كانت موجهة لثوار مصراتة[59].

لم يتبع إعلان الانقلاب تحركًا عسكريًّا جديًّا لفشل حفتر في حشد حلفائه غرب البلاد تحت إمرته فاتجه للشرق حيث استطاع حشد قوات تأتمر بأمره وظهر على الشاشة مجددا ليعلن انطلاق عملية الكرامة في 16 مايو 2014 ونجح هذه المرة في تكوين قوة قوامها الأساسي من قبائل الشرق وكتائب الجيش المنشقة عن النظام كما برز التيار السلفي المدخلي كمُكوِّن أساسي اعتمد عليه حفتر في العمل العسكري والأمني. وتزامنَ مع هذا الحراك هجوم كتائب الزنتان (القعقاع والصواعق والمدني) على المؤتمر الوطني في 18 مايو 2014 حيث اقتحموا المكان واختطفوا عدة أعضاء منه، وأعلنوا عن حل المؤتمر، وقد بارك هذه العمليات حزب تحالف القوى الوطنية ورئيسه محمود جبريل وعدد من القيادات القبلية والعسكريين المنشقين عن النظام والشخصيات الليبرالية -التي كانت جزءا من المجلس الانتقالي- كمحمود شمام مدير صحيفة الوسط[60].

رد الفعل الثوري

جاء رد الفعل الثوري الأسرع من بنغازي حيث توحدت كتائب الثوار الإسلاميين مع بعضها واتحدت مع جماعة أنصار الشريعة لتكوين تحالف تحت اسم “مجلس شورى ثوار بنغازي” وتم الإعلان عنه في 20 يونيو 2014 أي بعد شهر من بدء عملية الكرامة، ثم جاءت عملية قسورة أو فجر ليبيا بتاريخ 13 يوليو 2014  والتي أطلقها ثوار المنطقة الغربية للدفاع عن المؤتمر الوطني وطرد كتائب الزنتان من طرابلس. ورغم أن المكون الأكبر في هذا التحالف هي كتائب مصراتة إلا أن تيارا كبيرا داخل المدينة عارض خيار الحرب وحاول عرقلة العمليات العسكرية. وقد كان أبرز ممثلي هذا التيار: المجلس البلدي للمدينة برئاسة محمد اشتيوي –تعرض لاحقا للاغتيال- والتيار السلفي “المدخلي” الذي يقوده عبد الرحمن الكوت -آمر في كتيبة المرداس- وأنور سويسي-آمر في كتيبة اليرموك-، وبعض الشخصيات العسكرية كسالم جحا ومحمد الحداد ومهند المحجوب -آمر في لواء الحلبوص-، كما أعلنت قوات درع ليبيا الوسطى التابعة لمصراته على لسان المتحدث الرسمي أحمد هدية عن وقوفها على حياد، وبهذا ظلت أكبر التشكيلات العسكرية التابعة لمصراتة (الحلبوص، والمحجوب، الدرع الوسطى) خارج الصراع تماما في أول أسبوعين من القتال، وقد سعت بعد وصولها لطرابلس للتفاوض مع كتائب الزنتان لاقتسام السيطرة على المطار، ثم عرضت عليها لاحقا تسليمه لقوة وسيطة لكن فشلت كل هذه المساعي. كما أحجمت معظم كتائب طرابلس عن المشاركة في العملية وكان من أبرزها قوة الردع بقيادة السلفي “المدخلي” عبد الرؤوف كارة وكتيبة ثوار طرابلس بقيادة هيثم التاجوري، لكن هذا الإحجام والتردد لم يؤثر بشكل كبير على مسار العمليات العسكرية فقد نجحت القوى الثورية والإسلامية في كل من مصراتة وطرابلس والزاوية وصبراتة، في تحقيق تقدم عسكري ملحوظ وتمكنت بفضل زخم التقدمات من جر بعض القوى المترددة للمعركة، ومن أبرز الشخصيات التي قادت هذه الجهود : صلاح بادي وسالم الزوفري وحمودة النعيرية ومصطفى المازق وفتحي باشاغا من مصراتة، وصلاح البركي وصلاح الرقيعي وعبد الغني الككلي من طرابلس ومحمد الكيلاني وصهيب الرماح وشعبان هدية ومحمود بن رجب من الزاوية وعمر المختار المدهوني من صبراتة وغيرهم من الشخصيات التي لا يسع المقام لذكرها والتي كان لها الدور الأهم في إطلاق وقيادة عملية فجر ليبيا.

مع اشتعال القتال قامت كتائب الزنتان بإطلاق سراح سجناء النظام السابق، وعلى رأسهم عمر تنتوش[61] بتاريخ 15 يونيو 2014، وهو ضابط بارز في نظام القذافي أشرف على إعدام ضباط محاولة انقلاب 1993 ، وبدأ أنصار النظام السابق في العودة والتجمع في مناطقهم، حتى أُعلن عن تأسيس “جيش القبائل” في مؤتمر قبلي كبير في أوائل أغسطس عُقِد بمدينة العزيزية جنوب طرابلس، وأعن مناصرته لقوات “الجيش” (كتائب الزنتان وتحالف الكرامة)، وقد شكلت قبيلة ورشفانة العمود الفقري لهذه القوة باعتبارها من أكبر القبائل المناصرة للنظام السابق واشتهر “جيش القبائل” لاحقا بأعماله الإجرامية كالحرابة والخطف والقتل على الهوية[62].

انتخاب البرلمان الليبي

قبل اندلاع تلك الأحداث وفي ظل الأوضاع الأمنية المتردية أُجريَت انتخابات البرلمان الليبي في 25 مايو 2014 في ظل شبهات قانونية، فجاءت المشاركة فيها منخفضة جدا بعدد 630 ألف ناخب مقارنة ب 2,865,000 في انتخابات المؤتمر الوطني[63] -مثال على ذلك عقيلة صالح انتخب ب913 صوتًا  ثم جاء الإعلان عن نتائج هذه الانتخابات في 22 يوليو 2014 في ظل حرب مفتوحة شرق البلاد وغربها. ولم تأتِ النتائج في صالح القوى الثورية والإسلامية وتم نقل البرلمان إلى شرق ليبيا –في مناطق نفوذ قوات حفتر- مما دفع كثير من الأعضاء لمقاطعة البرلمان فعُقِدت جلسةُ البرلمان الأولى بعدد 158عضوا من أصل 188 , واستمر عدد الحاضرين في التناقص حتى بلغ النصف تقريبا.

بمجرد انتقال البرلمان للشرق ظهر تحيزه لمعسكر الكرامة ففي 15 أغسطس 2014 وجَّهَ البرلمانُ طلبًا للمجتمع الدولي بالتدخل لضرب “ميليشيات فجر ليبيا” بعد أن صنفها كمجموعات إرهابية، الأمر الذي تبعه ضربات طائرات إماراتية على قوات فجر ليبيا انطلقت من قواعد مصرية، مما أسفر عن مقتل عدد كبير من المقاتلين[64]، ثم ألغى البرلمان قانون العزل السياسي في 2 فبراير 2015، مما أعرب بوضوح عن مزاج البرلمان وميوله، هذه الأحداث كانت الأولى من نوعها فرغم احتدام الصراع في مراحل سابقة إلا أن مؤسسات الدولة ظلت واحدة ولم تشهد البلاد تدخلا لأطراف خارجية بهذا الشكل، كما منح إلغاء قانون “العزل السياسي” تحالف الثورة المضادة الغطاء القانوني لإعادة أزلام النظام للمشهد السياسي.

في 6 نوفمبر 2014 قضت المحكمة العليا بحل البرلمان[65] بعد تقديم النائب المقاطِع ورجل القانون عبد الرؤوف المناعي طعنًا فيه واتهامه له بتجاوز مهامه بطلبه التدخل الأجنبي لكن البرلمان رفض الانصياع لحكم القضاء وقد عزز موقفه هذا اعتراف “المجتمع الدولي” به ونزعه الشرعية عن المؤتمر الوطني العام وهو ما عُد تدخلًا سافرًا وتحيزًا لأحد أطراف الصراع.

شكلت هذه السوابق (تجاوز حكم القضاء، طلب التدخل الخارجي، انقسام مؤسسات الدولة، انحياز المجتمع الدولي لطرف دون آخر) مشهدا جديدا غير محكوم بالضوابط القانونية والسياسية التي حكمت المشهد في السنوات الماضية.

الحادي عشر: المشهد الميداني وتحالف فجر ليبيا

على الصعيد الميداني تمكنت قوات فجر ليبيا من حسم معركة طرابلس في غضون شهر ونصف فتم إعلان تحرير مطار طرابلس الدولي وطرد كتائب الزنتان من طرابلس في 24أغسطس 2014 ،واستمرت في هذه الأثناء كتائب ثوار بنغازي في التقدم على الجبهة الشرقية حتى تاريخ 15 أكتوبر 2014 حين أجبرت على التراجع بعد انضمام كتيبة 204 بقيادة المهدي البرغثي – لعملية الكرامة قبل أن يشغل لاحقا منصب وزير الدفاع في حكومة الوفاق، وتحرك كتيبة 21 صاعقة وتشكيلات عسكرية أخرى لمهاجمة مواقع الثوار وسط المدينة تزامنا مع هذا الحراك، تحرك مسلحون مدنيون (ما يعرف بالصحوات) بآليات عسكرية لمهاجمة منازل الثوار فقاموا بحرقها وهدمها والتهجم على عائلاتهم في بيوتهم كما شهدت تلك الأيام عمليات تعذيب وإعدام لمدنيين لم تلق إنكارا من أي من القوى السياسية أو القبلية الموالية لعملية الكرامة وهو ما شكل صدمة لكثير من أهالي المدينة. وفي ظل الصمت الدولي وتصاعد هذه العمليات أُرغم عدد كبير من أهالي الثوار ومن العائلات ذوي الأصول الغربية -قدر عددهم ب 200 ألف مواطن- على ترك المدينة والهجرة لغرب البلاد[66].

اختلف الوضع في درنة –شرق بنغازي- حيث كان للإسلاميين سيطرة كاملة على المدينة فأعلنوا عن تأسيس مجلس شورى مجاهدي درنة وضواحيها بتاريخ 12 ديسمبر 2014، واكتفت قوات الكرامة بشن غارات متفرقة على المدينة، وفرضت حصارًا خانقا عليها بالاستعانة بالقوى القبلية من المناطق المحيطة بها والتي تكن العداء لنسبة كبيرة من مكونات المدينة الاجتماعية لانحدارهم من أصول غربية. كما شهدت المدينة قصفا مصريًّا راح ضحيته مدنيون في عامي 2015 و 2017[67]. وقد استمر الحصار حتى بداية هجوم قوات عملية الكرامة على المدينة عام 2017 .

برز تنظيم الدولة في مرحلة مبكرة في شهر أكتوبر 2014 واحتدت الخصومة بينه وبين مجلس شورى مجاهدي درنة حتى بلغت ذروتها في فبراير 2015 واندلع بينهما قتالٌ استمرَّ 10 شهور انتهى بسيطرة مجلس شورى درنة على المدينة وانسحاب تنظيم الدولة لمدينة سرت. وهو الأمر الذي أثار شكوكًا حول جدية حفتر في محاربة التنظيم حيث قطع التنظيم 700 كيلومتر تقريبًا مرورًا بمناطق سيطرة قوات عملية الكرامة ونقاط تفتيشها دون أن تتعرض له القوات البرية أو الجوية [68].

السيطرة على طرابلس

عقب نجاح تحالف فجر ليبيا في السيطرة على طرابلس أطلقت بعثة الأمم المتحدة برئاسة برناردينو ليون دعوة للحوار بين الطرفين ولم تسجل الجلسة الأولى من الجولة الأولى من المحادثات في  سبتمبر 2014 أو الجولة الثانية في أكتوبر أي نجاح يذكر إلا أنها زادت من حجم التصدع في تحالف فجر ليبيا، فالعمليات العسكرية كما ذكرنا لاقت معارضة من شرائح واسعة في مصراتة وطرابلس فأحجمت كتائب كبيرة مثل الحلبوص ولواء المحجوب من مصراتة عن المشاركة في بداية الأمر بل إن بعض القيادات من مصراتة اتهمت بمنع الذخيرة عن كتائب الثوار[69] أبرزها العقيد سالم جحا–معاون رئيس الأركان الحالي- والذي كان ملحقا عسكريا بسفارة ليبيا في الإمارات ثم انخرط في مفاوضات توحيد المؤسسة العسكرية نيابة عن حكومة الوفاق والتي تمت برعاية مصرية، ومروان الحداد -آمر المنطقة العسكرية الوسطى حاليا – كما انخرطت في الحوار شخصيات بارزة شاركت في عملية فجر ليبيا وساهمت في نجاحها بشكل كبير على رأسها النائب في البرلمان فتحي باشاغا -وزير الداخلية الحالي- والتحقت شخصيات أخرى في مراحل لاحقة بركب عملية الأمم المتحدة بعد أن كانت تعارضها كعبد الرحمن سويحلي -رئيس المجلس الأعلى للدولة سابقا وهو كيان استشاري يوازي المؤتمر الوطني.

عزز نهج بعثة الأمم المتحدة من هذا الانقسام عبر اختيارها لأطراف دون أخرى للمشاركة في الحوار وعبر توسيع دائرة تواصل البعثة لتشمل عمداء البلديات والقيادات العسكرية ونشطاء سياسيين وهو ما عُد تجاوزًا فجا للسلطة (المؤتمر الوطني) وانتهاكا للسيادة وأحكام القضاء .

شكَّل موقف أطراف تحالف فجر ليبيا من تدخل بعثة الأمم المتحدة العامل الأهم في رسم ملامح المشهد وخارطة التحالفات في مرحلة ما بعد الانقلاب واندلاع الحرب. فانقسم التحالف لتيارٍ مناهض لمسار بعثة الأمم المتحدة ويراه انتهاكا للسيادة والقانون وانحرافا عن مسار الثورة، وتيارٍ مناصر له يراه مخرجا من الحرب الدائرة والوسيلة الوحيدة لاستعادة الشرعية التي نزعها المجتمع الدولي عن المؤتمر الوطني، مثَّلَ الإسلاميين في التيار الأول أعضاءٌ سابقون في الجماعة الإسلامية المقاتلة ودار الإفتاء ومفتي الديار الليبية الشيخ صادق الغرياني ومثَّلَهم في التيار الثاني الجناحُ السياسي لجماعة الإخوان المسلمين (حزب العدالة والبناء) أما على صعيد المكونات الثورية الأخرى فقد أيدت شخصيات بارزة من رجال أعمال وسياسيين وعمداء بلديات مسار الأمم المتحدة. كما انحازت أكبر كتائب مصراتة وطرابلس لهذا التيار. وهو ما انعكس بدوره على الأحداث على الأرض فعُقدت مصالحات أوقفت زخم العمليات العسكرية في محيط قاعدة الوطية ومنطقة ورشفانة وغيرها من الجبهات. كما أوقفت عملية الشروق التي أطلقها المؤتمر الوطني لتحرير الموانئ النفطية في الهلال النفطي في  ديسمبر 2014 بضغط دولي ومحلي. وقد كان لوقف العمليات العسكرية والانسحاب من الجبهات أثرٌ كارثيٌّ على بعض المدن الصغيرة القريبة من الزنتان كمدينة ككلة التي عانت من التهجير وجرائم التصفية والقتل والاعتقال لكل المحسوبين على الثوار وتحالف فجر ليبيا[70] كما كان لها أثر سيئ على مناطق أخرى غرب طرابلس حيث كثرت جرائم الاختطاف والقتل على الهوية على يد “جيش القبائل”[71].

مرحلة مابعد السيطرة على طرابلس

شهدت مرحلة ما بعد السيطرة على طرابلس وانطلاق جولات الحوار برعاية الأمم المتحدة انحسارا كبيرا لنفوذ التيار المناهض لنهج البعثة الأممية في تحالف فجر ليبيا. فقد مني هذا  التيار بخسائر كبيرة على مستوى القيادات الميدانية حيث قتل الكثير منهم في المعارك الدائرة كما توفي أو اغتيل البعض الآخر في ظروف غامضة، ومن أبرزها كان مقتل كل من صلاح البركي ومصطفى المآزق في المعارك الدائرة، وفاة حمودة النعيرية إثر إصابته في حادث سير، ومقتل أكثر من 20 من القيادات العسكرية من الزاوية وصبراتة في حادثة إسقاط مروحية بالقرب من ورشفانة[72]،كما كان هناك حادثة تحطم مروحية أخرى في تونس كان على متنها القيادي البارز مفتاح الذوادي رئيس المجلس العسكري صبراتة وأمير الجماعة الإسلامية المقاتلة سابقا[73]. أما على الصعيد السياسي فقد حوصر التيار نتيجة مواقفه الرافضة للمسار السياسي الجاري فتم تنحية رئيس حكومة الإنقاذ عمر الحاسي بسحب الثقة منه من قبل التيار المناوئ في المؤتمر الوطني (الإخوان) وأضعفت الحكومة بسحب الوزراء عبر وعود بالمشاركة في الحكومة التوافقية القادمة كما قيد المصرف المركزي بنود الإنفاق مما دفع مزيدا من القوى العسكرية للانحياز للطرف الآخر[74].

الثاني عشر: الدور الأممي في إعادة تشكيل المشهد

بحلول بداية عام 2015 أصبح للبلاد حكومتان وبرلمانان. وفي حين أن معسكر الكرامة لم يتعرض لانقسام مؤثر بسبب هيمنة خليفة حفتر وحلفائه الإقليميين (مصر، الإمارات) على القرار السياسي، شهد تحالف فجر ليبيا انقسامات كبيرة أدت لبروز تحالفات جديدة وأدت في النهاية إلى تفكيك الحكومة والبرلمان (المؤتمر الوطني) وبروز المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق الوطني. ومع بدء الجولة الثانية من الحوار في  فبراير 2015 كانت الأطراف السياسية قد أعادت تموضعها في طرفين أحدهما يدعم المسار التفاوضي الذي رسمته البعثة والآخر رافض لمقترحات البعثة التي تتجاوز حكم الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا والذي اعتبر البعثة متحيزة للطرف الآخر وهو ما ثبتت صحته لاحقا في تسريبات صحيفة الجارديان لمراسلات رئيس بعثة الأمم المتحدة برناردينو ليون مع وزير الخارجية الإمارتي عبد الله بن زايد بتاريخ  31 ديسمبر 2014[75] والتي يقول فيها ليون لابن زايد : في رأيي أن الخطة بـ(عقد مؤتمر سلام ) أسوأ من إجراء حوار سياسي لأنه سيعامل الطرفين وكأنهما متساويين  “ويقول في نفس المراسلة “إنه لن يشمل كل الأطراف في الحوار السياسي وأنه يعمل على تقويض شرعية المؤتمر الوطني وأن كل خطواته تمت بالتنسيق مع أعضاء من برلمان طبرق وسفير ليبيا في الإمارات العارف النايض”، كما قال إنه “يعمل على تفكيك التحالف القائم بين تجار مصراتة والإسلاميين”، ويختم ليون رسالته بقوله إنه عرض عليه منصبًا رفيعا كمستشار أعلى لكل بعثات الأمم المتحدة “للوساطة” وهذا سيمنح للإمارات تأثيرا على معظم بعثات الوساطة، لكن بالطبع إذا أردتم مني الاكتفاء بمنصبي في الأكاديمية الدبلوماسية سأرفض العرض”، وعلى عكس المتوقع لم تحدث تسريبات الجارديان تبعات سياسية رغم خطورتها، فقد نشرت في نوفمبر 2015 أي بعد مغادرة ليون لمنصبه وبعد الإعلان عن توقيع الاتفاق السياسي (الصخيرات) بالأحرف الأولى في 11 يوليو 2015  والذي تم في ظل رفض المؤتمر الوطني لمسودة الاتفاق المقترحة .

اتفاق الصخيرات

على الرغم من رفض غالبية أعضاء برلمان طبرق والمؤتمر الوطني للاتفاق السياسي إلا أن بعثة الأمم المتحدة مضت في مسارها واختارت شخصيات سياسية ومسؤولين من الطرفين ( البرلمان والمؤتمر) لتوقيع الصيغة النهائية من الاتفاق في 17 ديسمبر 2015، وأُعلن عن أعضاء المجلس الرئاسي الذي شمل 5 نواب و3 أعضاء مثلوا مناطق وأطراف مختلفة من الصراع وهم أحمد معيتيق رجل أعمال- يمثل مصراتة، فتحي المجبري موالي لحفتر وإبراهيم الجضران من منطقة الهلال النفطي، وعلي القطراني ممثل حفتر، وموسى الكوني كممثل للجنوب ، عبدالسلام كاجمان –ممثل الإخوان- من الجنوب ، عمر الأسود يمثل الزنتان، محمد عماري ممثل التجمع الإسلامي من الشرق، أحمد حمزة ممثل مؤيدي النظام السابق من الجنوب، وجرى تنصيب فايز السراج عضو برلمان طبرق كرئيس للمجلس الرئاسي، وجدير بالذكر في هذا السياق أن ليون وضع اسم فايز السراج –عضو برلمان طبرق- كرئيس للمجلس الرئاسي قبل الإعلان بلحظات عن توقيع الاتفاق.

توج توقيع الاتفاق بدخول المجلس الرئاسي لطرابلس على ظهر فرقاطة قادمة من تونس يوم 30 مارس2016،[76] وحظي المجلس وحكومة الوفاق بدعم دولي وأصبحا الممثلين الشرعيين للبلاد في المحافل الدولية. وأعلن الإسلاميون المشاركون في الحكومة التوافقية أن الاتفاق السياسي أنهى انقلاب حفتر بجرة قلم، وأن الدولة الليبية استعادت شرعيتها الدولية، لكن حفتر أعلن رفضه للاتفاق واستمر في عملياته العسكرية في شرق البلاد ضد الإسلاميين وفي جنوبها ضد الكتائب التابعة للوفاق، وفي المقابل أعلن المجلس الرئاسي أن القوات التابعة له لن تتورط في نزاع مسلح مع الشركاء السياسيين.

لم ينتج عن اتفاق الصخيرات أي اتفاق حقيقي بين الأطراف المتنازعة وإنما نتج عنه استبدال المؤتمر الوطني وتحالف فجر ليبيا بالمجلس الرئاسي وحكومة الوفاق بينما لم يعان معسكر الكرامة من أي تفكيك أو انقسام وتحول الصراع العسكري بين معسكري فجر ليبيا والكرامة إلى نزاع بين معسكري الكرامة والوفاق. ورغم تقديم معسكر الوفاق لتنازلات سياسية وميدانية كبيرة لحفتر ومده يد الصداقة والشراكة وإعلانه تأييد حملة حفتر العسكرية في الشرق والجنوب بل وحتى في بعض مدن الغرب كصبراتة، إلا أن هذه الجهود لم تثنِ حفتر عن موقفه.

الثالث عشر : تشكيل حكومة الوفاق والتنكيل بالمعارضين لها

تبع دخول المجلس الرئاسي وتشكيل حكومة الوفاق تغيرات في خارطة النفوذ على الصعيد السياسي والأمني فانحسر نفوذ كتائب مصراتة في العاصمة بينما تمددت كتائب طرابلس الموالية للوفاق على الأرض وفي أروقة السلطة مثل كتيبة ثوار طرابلس بقيادة هيثم التاجوري، وقوة الردع بقيادة عبد الرؤوف كاره، والنواصي بقيادة عبد اللطيف ومصطفى قدور، والأمن المركزي أبو سليم بقيادة غنيوة الككلي،.وشهدت طرابلس خلال عامي 2016-2017 إعادة هيكلة للمؤسسات السياسية والاقتصادية ومعارك عسكرية متفرقة بغرض اجتثاث القوى المعارضة لاتفاق الصخيرات والمجلس الرئاسي،كان من أبرزها :

  • مهاجمة واقتحام سجن الهضبة الذي كان تحت سيطرة جهاز الحرس الوطني بإمرة خالد الشريف -عضو الجماعة الإسلامية المقاتلة سابقا- والذي كان يقبع فيه ابن القذافي الساعدي وعبدالله السنوسي ذراع القذافي اليمنى ورئيس جهاز الأمن الخارج[77]ي.
  • مهاجمة كتيبة الإحسان بقيادة طارق درمان –عضو الجماعة الإسلامية المقاتلة سابقا- في غابة النصر بالقرب من مقر المؤتمر الوطني[78].
  • مهاجمة مقر كتيبة صلاح البركي في منطقة أبوسليم.
  • مهاجمة مقر المؤتمر الوطني لإحلال المجلس الأعلى للدولة محله.

كما شهدت العاصمة أعمال عنف وانتهاكات على يد القوى الموالية للوفاق من أبرزها الاعتداء على منزل خالد الشريف وهدمه، حرق منزل القيادي صلاح البركي، اختطاف وكيل وزارة الأوقاف بحكومة الإنقاذ طارق الداقل، والاعتداء على منزل عبد الوهاب القايد عضو المؤتمر الوطني –عضو الجماعة الإسلامية المقاتلة سابقا-، والرماية على دار الإفتاء، مهاجمة كتيبة هيثم التاجوري لمقر قناة النبأ الموالية للتيار الثوري والمملوكة لعبد الحكيم بلحاج -أمير الجماعة الإسلامية المقاتلة سابقا[79]، واختطاف وتصفية الأمين العام لهيئة علماء ليبيا ونائب رئيس لجنة مراجعة التشريعات وتعديلها بما يوافق أحكام الشريعة الإسلامية الشيخ نادر العمراني[80] . كما شهدت تلك الفترة حملة اعتقالات لثوار من بنغازي ودرنة[81]. وأصبح مجرد الانتماء للتيار الإسلامي الرافض لاتفاق الصخيرات يمثل خطرا على صاحبه مما دفع الكثير من الشخصيات البارزة والمسؤولين لترك البلاد خوفا من التصفية أو الاعتقال. وباختصار شهدت تلك المرحلة تحولا في بوصلة الولاء والعداء فتحول حفتر من عدو لشريك سياسي وتحول التيار الإسلامي الثوري من شريك سياسي لعدو، وبدأت عمليات تصفية سياسية وعسكرية استهدفت التيار.

الرابع عشر: خصوصية الجبهة الشرقية

اختلف المناخ العام في الجبهة الشرقية تماما فلم يكن هناك حديث عن هدن أو حوار ولم يكن هناك أي اختلافات حول طريقة حسم الصراع مع معسكر الثورة المضادة، فالجميع كان يؤمن بأن الحل يكمن في الحسم العسكري. ولم يمنع هذا كل من مجلس شورى ثوار بنغازي ودرنة من إجراء محادثات مع بعض القوى القبلية بهدف تحييدهم عن الصراع الدائر لكن لم تتوج أي من تلك المحاولات بالنجاح.

لقد كان للجبهة الشرقية خصوصيتها بسبب التواجد الجهادي في كل من بنغازي ودرنة وأجدابيا وظهور تنظيم الدولة كحليف لمجلس شورى ثوار بنغازي في معركته ضد قوات عملية الكرامة. وشكلت هذه العوامل حاجزا بين القوى الثورية في غرب البلاد وشرقها.  فالتواجد الجهادي القوي جعل من وضع المعركة تحت بند محاربة الإرهاب أمرًا متفقًا عليه بين الأطراف الدولية والإقليمية مما جعل الارتباط بدعم الجبهة الشرقية مثلبة سياسية، لكن هذا لم يمنع أعضاءً من المؤتمر والحكومة وتيار دار الإفتاء والمفتي في الاستمرار في توجيه الدعم للثوار.

لقد كان دعم الجبهة الشرقية إحدى النقاط المفصلية في تحديد الموقف الغربي من الأطراف السياسية. وقد تلقف معظم الساسة هذه الفكرة من السفارات الغربية وبعثة الأمم المتحدة في مرحلة مبكرة فآثروا النأي بأنفسهم عن هذه المثلبة في سيرتهم.

رغم استمرار تدفق الدعم اللوجستي من مصراتة والمنطقة الغربية إلا أن انحسار نفوذ التيار الثوري في الغرب وإبعاده عن العملية السياسية انعكس سلبا على الجبهة الشرقية التي لم تكن جزءا من عملية الحوار الجاري فالعمليات العسكرية فيها لم تتوقف أثناء الهدن والمفاوضات أو حتى بعد توقيع الاتفاق السياسي. كما أن الجرائم والانتهاكات التي تبعت أحداث 15 أكتوبر 2014 لم يلقَ عليها الضوء[82]، ولم تدخل في الحسابات السياسية وفي ظل هذه الظروف انعزلت الجبهة الشرقية عن الأحداث في غرب البلاد تدريجيا، وبدخول المجلس الرئاسي لطرابلس وتوليه السلطة أصبح مجرد إبداء الولاء لثوار بنغازي ودرنة في طرابلس مستهجَنًا بل قد يصل بك لسجون قوة الردع، وبدا الاتفاق السياسي الذي قيل أنه أفشل انقلاب حفتر وأخرجه من المشهد بجرة قلم  كأنه عاد بنتائجَ عكسيةٍ فعزَّز من شرعية الانقلاب ورسخ دور حفتر في العملية السياسية.

الخامس عشر: تمدد التدخل الأجنبي بالبلاد

صاحب تمدد نفوذ المجلس الرئاسي في طرابلس وتغلغل كتائبها في مفاصل الدولة، تمدد التدخل الأجنبي شرق البلاد دعمًا لحفتر في ظل صمت دولي ومحلي، فكُشف في أكتوبر 2016 عن إنشاء الإمارات قاعدة “الخادم” الجوية التي انطلقت منها طائرات الوينج لوونج الصينية والإيرتراكتور الأمريكية -التي قادها مرتزقة وفرهم ايرك برنس حسب تقرير مجلة انتيلجنس أونلاين- لتوفير غطاء جوي لقوات الكرامة في معركتي بنغازي ودرنة. وكشف مركز ستارتفور عن وجود غرفة عمليات فرنسية في قاعدة بنينا الجوية وتواجد 180 عسكريا فرنسيا في بنغازي لدعم قوات حفتر[83]، ومع اشتداد المعركة واستعصاء قوات مجلس شورى ثوار بنغازي، استعان حفتر بخبراء وفنيين روس من شركة (أر إس بي) لإزالة الألغام. وبدأ تدفق قوات مرتزقة من السودان وتشاد[84].

مع توسع نطاق التدخل الأجنبي وتزايد الأطراف الإقليمية والدولية الداعمة لحفتر تعقد المشهد السياسي والأمني . لكن هذ التعقيد لم يؤثر على النبرة التوافقية لحكومة الوفاق فتغاضت عن قضية التدخل الأجنبي ولم تبدِ ردة فعل ترتقي لخطورة هذا التطور. ومع تصاعد القتال في الشرق وخموده في الغرب برز تنظيم الدولة كقوة نامية في كل من بنغازي ودرنة وسرت وصبراته، وبدأ بشن عمليات ضد جميع الأطراف فشنت مجموعة سرت هجمات على كتيبة 166 التابعة لمصراتة في 11 مايو 2015، ثم هاجمت قوات حرس المنشآت في ميناء السدرة في 28 سبتمبر 2015 وتصاعدت عمليات التنظيم التي ركزت غالبا على قوات مصراتة حتى بلغت ذروتها بمهاجمة قوات المجلس العسكري لمصراتة في  بوابة السدادة بتاريخ 5 مايو 2015، مما دفع قوات مصراتة مصحوبة بقوات من المنطقة الغربية لإطلاق عملية البنيان المرصوص في إبريل 2016  للقضاء على التنظيم في سرت والتي شهدت تدخلًا أمريكيًّا جويا في نصفها الثاني في أغسطس 2016 وانتهت في ديسمبر 2016.

صاحب انطلاق عملية البنيان المرصوص إعلان ائتلاف من ثوار بنغازي ودرنة وأجدابيا عن تشكيل سرايا الدفاع عن بنغازي في مايو 2016 بهدف دعم مجلس شورى ثوار بنغازي في حربه ضد قوات حفتر. واتخذ الائتلاف من قاعدة الجفرة قاعدة له. وعلى عكس مجلس شورى ثوار بنغازي لم تخفِ السرايا موقفها المعادي لتنظيم الدولة، وقدمت الدعم لقوات البنيان المرصوص في معركتها في سرت في محاولة منها للتصدي للشائعات حول ثوار بنغازي ولتسجيل موقف سياسي يُحسب لهم.

شهدت تلك الفترة احتدام الخصومة بين الحليفين السابقين إبراهيم الجضران وخليفة حفتر بعد إعلان الأول اعترافه بحكومة الوفاق وانضمامه لها بعد حصوله على 42 مليون دولار منها[85]، وهو الأمر الذي دفعه للتحالف مع سرايا الدفاع والسماح لهم بالمرور من مناطِقِه دون مواجهات، وتمكنت قوات السرايا من دحر قوات الكرامة حتى بلغت منطقة المقرون التي تبعد أقل من 70 كم عن بنغازي، كما تمكنت من إسقاط طائرة مروحية أجنبية قُتل على إثرها 3 جنود فرنسيون في 20 يوليو 2016[86]، وبدا أن قوات خليفة حفتر غير قادرة على مواجهة ثوار بنغازي على جبهتين. ورغم نجاحات السرايا العسكرية إلا أن التدخل الأجنبي حال دون بلوغها لبنغازي فقد تعرضت قواتها لقصف جوي عنيف -يُعتقد أنه مصري[87]– راح ضحيته أكثر من 40 قتيلا وهو ما شكل ضربة قوية لقوة لم يتجاوز عدد أفرادها 200\300 تقريبا. وتصاعدت الضربات الجوية وأجبرت سرايا الدفاع على التراجع لقواعدها التي تلقت ضربات هي الأخرى .

تراجع السرايا وسيطرة حفتر على الموانئ النفطية

تبع تراجع السرايا سيطرة قوات حفتر على الموانئ النفطية وطرد جهاز حرس المنشآت وإبراهيم الجضران من منطقة الهلال النفطي، لتعود سرايا الدفاع للسيطرة على الموانئ مرة أخرى في مارس 2017. وقد عرضت حينها على المجلس الرئاسي استلامها إلا أن عرضها قوبل بالرفض لعدم رغبة معسكر الوفاق في الدخول في صدام مع حفتر[88]. وقد استطاع حفتر بالاستعانة بمرتزقة من حركة العدل والمساواة استعادة السيطرة على الموانئ ثم اتجه لقاعدة الجفرة –الاستراتيجية- واستطاع السيطرة عليها ليحكم بذلك قبضته على المنطقة الوسطى والجنوبية. والجدير بالذكر هنا هو أن تلك المعارك شهدت استعانة الطرفين بمرتزقة من السودان وتشاد فقد أثبتت التقارير نجاح سرايا الدفاع في شراء ولاءات مرتزقة جندهم حفتر واستعان بهم[89].

مع فشل السرايا في فك الحصار عن بنغازي ،وازدياد كثافة ضربات الطيران الأجنبي على قوات مجلس شورى ثوار بنغازي وخطوط إمداده البحرية استطاع حفتر تضييق الخناق على ثوار بنغازي وتنظيم الدولة ومحاصرتهم بمنطقة قنفودة. وفي أوائل يناير2017 انسحب تنظيم الدولة من بنغازي نحو الجنوب بتنسيق مع القيادي بقوات حفتر “محمود الورفلي”[90] الذي ظهر لاحقا في عدة مقاطع فيديو وهو يعدم أسرى من مجلس شورى ثوار بنغازي ويمثل بجثثهم[91]. وكانت هذه المرة الثانية التي يقوم فيها حفتر بتوفير “ممر آمن” لتنظيم الدولة للمنطقة الغربية والجنوبية.

في 19 مارس2017 نجح مجلس شورى ثوار بنغازي في فك الحصار جزئيا والالتحام بقواته المحاصرة شمال المدينة واستطاع الصمود لسنة أخرى عملت خلالها قواته على التسلل وإخراج المقاتلين من المنطقة بشكل فردي. ونجحوا في إخراج معظم المقاتلين تدريجيا والتصدي لهجمات قوات حفتر حتى  مارس 2018 حين أعلنت قوات حفتر سيطرتها على المدينة بشكل كامل بعد حرب استمرت لقرابة 4 سنوات. ومع قرب انتهاء معركة بنغازي بدأ حفتر في التجهيز لشن هجوم على مدينة درنة، فبدأت المعارك بين قوات الكرامة ومجلس شورى ثوار درنة في أواخر 2017 وانتهت في  يونيو 2018 بانتصار قوات الكرامة.

السادس عشر: الحرب من طرف واحد

شهد عامي 2017 و2018 لقاءات بين السراج وحفتر في كل من أبو ظبي وباريس وباليرمو لمناقشة شروط الأخير ليقبل الانضمام للاتفاق السياسي. وأظهر حفتر في كل من هذه اللقاءات تعنتًا حول المادة الثامنة في الاتفاق السياسي والتي تمنح الرئيس صلاحيات القائد الأعلى للجيش. وعلى الرغم من هذا التعنت أبدى حفتر موافقته على إجراء انتخابات وبقاء السراج كرئيس للحكومة إلى حين إجرائها. واستمرت لقاءات توحيد المؤسسة العسكرية بين اللجان العسكرية من الطرفين بإشراف مصري[92]. وتم التفاهم على مسودة اتفاق نهائية يكون فيها حفتر قائدا عاما للجيش إلا أن المفاوضات شهدت جمودا لتخوف معسكر الوفاق من بند في المسودة نص على أن “الجيش سيخضع لإرادة الشعب” أي أنه لن يخضع   لسلطة مدنية قبل   الانتخابات. لم تمنع مفاوضات اللجان العسكرية ولقاءات حفتر بالسراج من استمرار الأول في شن عمليات عسكرية تمكن من خلالها من السيطرة على الهلال النفطي وقواعد عسكرية مهمة كالجفرة وتمنهنت[93] بدعم من حلفائه الإقليميين والدوليين الذين أيدوا الاتفاق السياسي (مصر، الإمارات، الأردن، فرنسا، روسيا). وبينما استمرت حالة الجمود السياسي في ظل رفض برلمان طبرق لكل التشكيلات الحكومية وتمسك حفتر بشرط تولي منصب القائد الأعلى للجيش حيث استمرت قواته في التمدد على الأرض بمباركة من السراج ومسؤولين آخرين في حكومة الوفاق كفتحي باشاغا وزير الداخلية الذي بارك انتصار “الجيش” في مرزق في 20 فبراير 2019[94].

التقى السراج وحفتر مجددا في (أبوظبي) في 27 فبراير 2019 ليؤكدا على ضرورة إنهاء المرحلة الانتقالية وضرورة الذهاب للانتخابات. وأعلن المبعوث الأممي غسان سلامة في شهر مارس عن عقد مؤتمر جامع بين 14 و 16إبريل. وحظي المؤتمر بدعم دولي ومحلي كبير، وأعرب حفتر عن تفاؤله في ملتقى شباب مدينة بنغازي حيث صرح أن الأسابيع المقبلة ستشهد تشكيل حكومة توافقية جديدة، في حين أكد السراج في كلمته بالقمة العربية أن “عسكرة الدولة خط أحمر”[95]. وبدا أن الصراع الجاري يتجه لنهايته حتى جاء هجوم حفتر على طرابلس بتاريخ 4 إبريل 2019 قبل أيام من انعقاد مؤتمر غدامس المرتقب، وهو ما شكل صدمة لمسؤولي حكومة الوفاق.

طرابلس قبل هجوم حفتر في 4 إبريل 2020

شهدت العاصمة خلال السنوات الماضية تغولا غير مسبوق لنفوذ كتائب طرابلس (الردع،النواصي، ثوار طرابلس، شهداء “أبوسليم” ) في مؤسسات الدولة والقطاع المصرفي[96]، وتنافُسًا في ما بينها على مختلف وسائل الإيراد المالي. فتسابقت لبسط هيمنتها على المصارف والمؤسسات المالية مما أتاح لها الوصول للعملة الصعبة بسعر الصرف الرسمي من خلال الاعتمادات المستندية التي يمنحها المصرف المركزي والتي كانت تباع مجددا في السوق السوداء بأضعاف مضاعفة، مما أدى لتضخم ثروة ونفوذ قيادات هذه التشكيلات بشكل غير مسبوق. وبالإضافة للعائدات المالية الضخمة واحتكار العملة الصعبة مع مجموعة من رجال الأعمال عملت هذه الكتائب على تعيين رجالها في مناصب نافذة في القطاع المصرفي والوزارات والسفارات كما وفروا امتيازات لصغار المنتسبين بتوفير مرتباتهم الشهرية نقدًا في حين عانت البلاد من شح السيولة وانهيار قيمة العملة المحلية بسبب إغلاق النفط والفساد في القطاع المصرفي وعمليات الاحتيال في ما يتعلق بالاعتمادات المستندية[97].

مارست كتائب الثوار سابقا أشكالا من الضغط والفساد للحصول على العطاءات والمخصصات المالية لكنها لم تتورط في تأسيس شبكة فساد منظمة بهذا الحجم والنفوذ حيث استطاعت كتائب طرابلس تكوين شبكة من العلاقات داخل وخارج مؤسسات الدولة مع المسؤولين والسياسيين ومدراء المصارف ورجال الأعمال سمحت لها باختراق إدارات الشركات المملوكة للدولة والمصارف والمؤسسة الليبية للاستثمار وغيرها من وزارات ومناصب حساسة. لم تقتصر ممارسات الكتائب على التعاون المتبادل عبر علاقاتها في المؤسسات بل تجاوزتها للإكراه في كثير من الأحيان فكان خطف المدراء والمسؤولين وإرغامهم على توقيع عقود وصفقات مسألة متكررة على يد هذه التشكيلات الأربعة في طرابلس.

بعض الأمثلة على ذلك :

  1. ابتزاز هيثم التاجوري قائد كتيبة ثوار طرابلس اعتمادات مستندية بعشرات الملايين من الدولارات كما جاء في تقرير لفريق خبراء الأمم المتحدة.
  2. تنصيب هيثم التاجوري أحد رجاله كمدير لجهاز الإمداد الطبي.
  3. تنصيب كتيبة النواصي لرجالها في كل من وزارة المالية ومصلحة الأحوال المدنية.
  4. اختطاف كبار مسؤولي المصرف المركزي كمدير العمليات ومدير مكتب المحافظ.
  5. اختطاف كتيبة ثوار طرابلس لوزير المواصلات لإرغامه على التوقيع على عقد ممنوح لشركة إيطالية لبناء مطار طرابلس الدولي.
  6. اختطاف المدير التنفيذي للخطوط الأفريقية للتوقيع على عقد تأمين لشركة طائرات.
  7. اختطاف قوة الردع وكتيبة ثوار طرابلس وعبد الغني الككلي كبار المسؤولين في الخطوط الجوية الأفريقية على فترات مختلفة في 2017.
  8. اختطاف قوة الردع للمدير التنفيذي لشكرة الخطوط الجوية الليبية لمدة 8 أشهر.
  9. تعيين أكثر من عشرين موظفًا من رجال هذه الكتائب في السفارات بعد محاصرتها لمبنى وزارة الخارجية الذي تملك فيه كتيبة ثوار طرابلس مكتبا.
  10. تنصيب محمد المرداس كسفير ليبيا في تونس بتهديد السفير السابق بعد محاصرة منزله في طرابلس[98].

توضح هذه الأمثلة مدى هيمنة هذه الكتائب الأربعة على القرار الإداري الداخلي ومدى تغولها في مؤسسات الدولة. وهو الأمر الذي أثار سخط الكتائب من المدن المحيطة بطرابلس كمصراتة والزنتان والزاوية  وترهونة والأمازيغ والكتائب الأخرى المستبعدة داخل طرابلس ككتائب تاجوراء وجنزور، حيث خيمت أجواء الفرقة والصراع بين القوى المنضوية تحت راية الوفاق على المنطقة الغربية.

استغلال حفتر للفرقة والانقسام

في ظل حملة التصفية التي طالت القوى المعارضة للاتفاق السياسي وفي ظل انشغال كتائب طرابلس بالتوغل في مؤسسات الدولة وسخط الكتائب الأخرى، بدأ حفتر محاولات استمالة بعض هذه الكتائب، فاستمال الكانيات من ترهونة -تشكيل عسكري خليط من مكونات مختلفة من ترهونة كانت تعادي قوات حفتر سابقا، وعادل الدعاب في غريان وهو قيادي قاتل في صفوف فجر ليبيا ضد حفتر في عام 2014،كما اعتمد على التيار المدخلي في تعزيز نفوذه في مناطق غرب طرابلس كصرمان وصبراته. وعمل على التواصل مع بعض قيادات كتائب طرابلس الأخرى كناجي القنيدي قائد كتيبة فرسان جنزور -الذي فر من المدينة مع بعض رجاله بعد فشل حفتر في اقتحامها- وتم الاتفاق حتى مع كتائب من مدينة الزاوية على الدخول لطرابلس. تم كل هذا بالتوازي مع تقدم قوات حفتر في الجنوب الليبي وإجرائه لمفاوضات مع حكومة الوفاق وقيادات مدينة مصراتة لتقاسم السلطة. كما انتشر في تلك الفترة حديث عن تواصل بعض قيادات كتائب طرابلس كهيثم التاجوري وهاشم بشر –مستشار السراج الأمني- مع حفتر واتفاقهما معه على تسليم طرابلس سلميًّا ولا توجد أي أدلة لتأكيد صحة هذا إلا أن الاثنين كانت لهما علاقة بالإمارات وفرنسا. كما أكد الكثير من قيادات كتائب الثوار صحة هذه الادعاءات. وتؤكد المعلومات المتداولة أن الاثنين الآن فارين من البلاد ويتنقلون بين باريس و (أبوظبي)، وأن المصرف المركزي جمد اعتمادات مستندية بقيمة 395 مليون دينار لقائد كتيبة ثوار طرابلس هيثم التاجوري[99].

بنى حفتر مخططه لدخول طرابلس على عامل غياب الثقة والصراع بين كتائب المنطقة الغربية. فلو سيطر حفتر على غرب طرابلس كان من المتوقع انسحاب كتائب طرابلس الكبرى من المعركة لكن الذي حدث هو العكس تماما فكتائب الزاوية التي اعتقد أنه حيدها حاصرت قواته فور هجومه على المدخل الغربي وتمكنت من أسر كتيبة كاملة بعتادها -أكثر من 120 أسيرا-  وجاءت الضربة الأخرى بانضمام كتائبَ من الزنتان لقوات الوفاق تحت قيادة أسامة الجويلي كقوات عماد الطرابلسي الذي قاتل ضد قوات فجر ليبيا في 2014. وتنادت كتائب مصراتة وطرابلس ومختلف المناطق لصد الهجوم بشكل سريع وشكَّل خصوم وأعداء الأمس تحالفًا لصد هجوم قوات حفتر.

وبينما تشكل تحالف قوات الوفاق من ثوار المدن الغربية التي وقفت ضد النظام في الثورة كمصراتة والزنتان وصبراته والزاوية وغريان ومدن الجبل الغربي، فقد تشكلت معظم قوات حفتر من المدن الغربية من المناطق التي والت النظام كترهونة وورشفانة وبني وليد وتاورغا وسرت وسبها. ورغم إعلان بعض هذه المدن حيادها إلا أنها تعد قواعد انطلاق وإمداد لقوات حفتر وينتسب معظم مقاتلي المنطقة الغربية في صفوفه إليها.

لقد صاغت المراحل المتعددة التي مرت بها الثورة الليبية منذ انطلاقها هذه التحالفات المعقدة ففي أحداث 2011 برزت تحالفات مناطق الثورة ضد مناطق النظام. ثم في 2014 انحازت بعض قوى الثورة في الشرق والغرب لمعسكر الثورة المضادة،ثم تغيرت تركيبة التحالفات مجددا بعد الاتفاق السياسي. وأخيرا بهجوم حفتر على طرابلس عادت تحالفات قديمة وبرزت أخرى جديدة. لكن تظل هذه التحالفات معرضة للتفكك فور غياب الخطر الذي يهدد وجود مكوناتها.

السابع عشر : مكونات المشهد الليبي

مر المشهدان السياسي والعسكري بتغيرات كثيرة منذ 2011، فبرزت أطرافٌ جديدة كقوى فاعلة على حسابِ أخرى. فكتائب ثوار بنغازي التي كانت من أبرز مكونات الساحة وأكثرها تأثيرا لم يعد لها حضور بارز أو تأثير لحساب قوات حفتر، وقوات إبراهيم الجضران التي كانت تهيمن على منطقة الهلال النفطي ومنعت تصدير النفط لأعوام أصبحت من الماضي بعد هيمنة حفتر على التيار الفدرالي، وبعد أن كان لكتائب الزنتان الحضور الأقوي في طرابلس –بعد مصراتة- أصبحت اليوم على الهامش في المشهد العسكري لحساب مصراتة وكتائب طرابلس،كما خضعت قوى الجنوب لتغيرات كبيرة بعد استقطاب حفتر لقبائل دون أخرى فتقلص نفوذ التبو لحساب الزوية في الكفرة ولصالح أولاد سليمان والمقارحة في فزان. أما على الصعيد السياسي فقد تلاشى دور كل التيارات السياسية الموالية لعملية الكرامة لصالح رؤية حفتر السياسية، وفي الجهة المقابلة تضاءل دور تيار تحالف  فجر ليبيا  لصالح تيار الوفاق. وقد يشهد هذا تغيرا في الفترة القادمة نتيجة لظروف الحرب .

في ظل هذه التغيرات حافظت بعض التيارات الفكرية والسياسية على حضورها في المشهدين السياسي والأمني حتى اليوم عبر وسائل عدة كالمال والعلاقات السياسية،أو القوة العسكرية أو الدعم الدولي -الاقليمي أو عبر عقد التحالفات المحلية، أبرزها : التيار الثوري في مصراتة وبعض مدن الغرب رغم تعرض جزءٍ كبيرٍ منه للإبعاد بعد اتفاق الصخيرات السياسي إلا أنه لازال المكون الأقوى، التيار المدخلي (مع طرفي النزاع) والذي قد يتعرض تواجده في معسكر الوفاق لتقليص بعد حملة حفتر الأخيرة، الإخوان المسلمون رغم انخفاض شعبيتهم إلا أن حضورهم السياسي في معسكر الوفاق قوي، وخليفة حفتر الذي يحظى بدعم دولي-إقليمي لا تحظى به أي من الأطراف الأخرى.

ويمكن القول إن هذه الأطراف هي الأبرز والأكثر حضورا في المشهد الحالي، لكنها لا تحتكر المشهد بشكل كامل فهناك مجموعة من مؤيدي ومسؤولي النظام السابق عادت للمشهد السياسي بعد اتفاق الصخيرات وتتولى مناصب هامة في الطرفين. فمع الوفاق هناك وزير الخارجية محمد سيالة –مسؤول الخارجية سابقا- وحافظ قدور مندوب الاتحاد الأوروبي –سفير ليبيا في روما سابقا- وجمعة إبراهيم مندوب الاتحاد الأفريقي –وزير الشؤون الأفريقية سابقا- أحمد حمزة عضو المجلس الرئاسي –عضو لجان ثورية سابقا-،عبد القادر التهامي مدير المخابرات العامة –مدير مكتب الأمن الخارجي في سبها (توفي مؤخرا في مايو 2020)،حامد الحضيري مبعوث السراج الشخصي لفرنسا –سفير سابق في فرنسا وبلجيكا وعدة دول بغرب أفريقيا- والقائمة تطول، أما على الطرف الآخر فيبدو أن حفتر لا يثق إلا في مسؤولي وضباط النظام السابق فجميع القادة العسكريين تقريبا من ضباط النظام، كعبد السلام اللحاسي آمر غرفة عمليات تحرير طرابلس، المبروك سحبان آمر القوات البرية، حسن معتوق الزدامة آمر كتيبة 128، توفيق القماطي آمر كتيبة طارق بن زياد، محمد بن نايل آمر اللواء 12، مسعود جدي آمر كتيبة 166، بلقاسم الأبعج آمر المنطقة العسكرية الجنوبية. وعلى صعيد المناصب الحكومية يتولى إبراهيم بوشناف منصب وزير الداخلية -رئيس محكمة الشعب ومحكمة أمن الدولة سابقا- ويتولى عبد الهادي الحويج –أحد المقربين من سيف القذافي- منصب وزير الخارجية ، ويتولى منصب المدعي العسكري العام اللواء فرج الصوصاع .

ورغم أن هذه الشخصيات المتواجدة على ضفتي النزاع محسوبة على النظام السابق إلا أنها لا تشكل تيارا متسقا وموحدا. ويطغى عليها البحث عن المصلحة الفردية والحرص على العودة للسلطة. ويمكن القول إن هذا التيار يتم “توظيفه”من قبل الأطراف المتنازعة للاستفادة من “خبراتهم” وعلاقاتهم الخارجية والداخلية.

التيار المدخلي

مثلما يتقلد عناصر النظام السابق مناصبا أساسية ومهمة على الطرفين، يقوم التيار المدخلي بدور مشابه لكن بعيدا عن السياسية، فتواجده يقتصر على الجانبين الأمني والعسكري بالإضافة لهيمنته على المؤسسات والهيئات الدينية والمساجد وامتلاكه لعشرات – 28 إذاعة- الإذاعات المسموعة عبر البلاد[100]، وبالتالي يمكن القول إن التيار ركز نشاطه وحركته الدعوية على المحيط الاجتماعي والتشكيلات المسلحة.

لعب التيار دورا مهما في التقريب بين معسكري الكرامة والوفاق، فالتشكيلات المسلحة والشخصيات الدعوية البارزة فيه توالي بعضها عبر البلاد رغم تبعيتها لسلطتين متصارعتين. وعلى الرغم من تواجده على الطرفين إلا أن تمثيل التيار في معسكر الكرامة أقوى وأبرز من نظيره في الوفاق. فحفتر يعتمد على ولاء السلفية المدخلية له بشكل كبير حيث أوكل لهم وزارة أوقاف حكومة الثني والمؤسسات الدينية والمساجد في الشرق والجنوب الليبي، ويعتمد عليهم في إدارة معتقلات التعذيب وأبرز الأمثلة على هذا معتقل قرنادة الموكل إدارته للتيار السلفي المدخلي بقيادة منير اللحاسي قبل أن يتم اعتقاله في  يوليو 2019 على يد مدير مكتب حفتر وابن عمه عون الفرجاني – أقرب الشخصيات له-  كما أن قواته العسكرية مليئة بعناصر التيار وبعد أن كانت لهم كتيبة واحدة في بداية القتال في 2014 صار لهم تواجد في معظم الكتائب (210،302 ،106، العاديات، القوات البحرية، وغيرها من الكتائب والتشكيلات) فيما يبدو أنها سياسةٌ أمنية تهدف لترسيخ هيمنته على خليط التشكيلات المسلحة المختلفة التوجهات والأهداف.

 وقد لعب عناصر التيار دورا كبيرا في تمهيد الطريق لحفتر وبسط هيمنته على المدن الغربية كالزنتان وصرمان وصبراته وغيرها إذ أن معدلات قبول حفتر في هذه المناطق منخفضة مقارنة بمدن الشرق والمدن الموالية للنظام السابق. ولم يقتصر تكليف التيار على الترويج لحفتر والقتال معه وإدارة المعتقلات، بل وصل لحد تنفيذ اغتيالات وعمليات تصفية كما صرَّح بذلك فرج قعيم وكيل وزارة داخلية حكومة الوفاق وقائد سابق في قوات الكرامة، وقد اعتقل قعيم آمر قوة سلوق “قجة الفاخري” بعد أن أثبت تورطه في تصفية 38 مدنيًّا فيما عُرف بمجزرة الأبيار، إلا أن حفتر أمر باقتحام السجن وإخراجه واعتقال فرج قعيم فاقتحمت كتيبة 106 التابعة لابن حفتر قرية برسس وتمكنت من القبض على قعيم وإيداعه السجن، وقد برزت أسماء متهمة بتنفيذ عمليات اغتيال أخرى لصالح حفتر كأحمد اللحاسي[101].

يقابل هذا الحضور القوي للتيار المدخلي في صفوف حفتر، حضور أكثر تواضعًا في صفوف الوفاق بطبيعة تعدد وتنوع مكونات الوفاق وهيمنة فئات أخرى على القرار السياسي والعسكري. لكن هذا لا يعني أبدا أن دور التيار هامشي فهو يسيطر على غالبية مساجد طرابلس والمنطقة الغربية ويسيطر على 80% تقريبا من مكاتب الأوقاف ويمتلك في طرابلس وحدها 4 إذاعات من أصل 9 في المنطقة الغربية وله مدارس خاصة في طرابلس في منطقة الهضبة والهاني وأبوسليم، كما أن له تشكيلات عسكرية خاصة به كسرية باب تاجوراء و604 وقوة الردع الخاصة ويتمتع بحضور قوي في التشكيلات الأخرى ككتيبة اليرموك والنواصي وغيرها.

وقد شهد نفوذ التيار تصاعدا كبيرا بعد دخول حكومة الوفاق وترسيخها لسلطتها في العاصمة إذ اعتمدت السلطة على قوة الردع في محاربة الجريمة وأوكلت لها ملف “مكافحة الإرهاب” مما أعطاها صلاحيات واسعة وسمح بتمدد نفوذها ،وفي مايو 2018 أصدر السراج قرارا بتحويل قوة الردع إلى جهاز الردع لمكافحة الجريمة والإرهاب، مما حررها من قيود وزارة الداخلية عليها، وأعطاها صلاحيات أوسع مثل:

1-مراقبة الاتصالات ومواقع التواصل الاجتماعي.

 2- منح أعضاء الجهاز صفة “مأموري الضبط القضائي”.

 3- تخصيصها للأموال والأملاك المصادرة كمصدر لتمويل الجهاز.

 4- التعاون الأمني مع الجهات الدولية والإقليمية.

 5- تقديم الملاحظات حول القوانين والأنظمة والاتفاقات الأمنية ومراقبة وسائل الإعلام وجمع المعلومات[102].

تزايد نفوذ المداخلة

مع تمدد نفوذ التيار تصاعدت عدائيته ضد التوجهات الإسلامية الأخرى وعلى رأسها تيار دار الإفتاء والمفتي الشيخ الصادق الغرياني وثوار الشرق المهجرين. وبدأت حملة اعتقالات في طرابلس وفي بعض الأحيان مصراتة طالت المئات  في ظل صمت حكومة الوفاق ومسؤوليها ويقدر عدد المعتقلين في سجون قوة الردع ب2600 سجينا منهم 400 تقريبا من منتسبي تنظيم الدولة[103]. لم تقتصر انتهاكات التيار على الاعتقال والاختطاف والتعذيب بل بلغت حد التصفية الجسدية كما في حادثة اختطاف الشيخ نادر العمراني الأمين العام لهيئة علماء ليبيا وعضو رابطة علماء العالم الإسلامي، فالشيخ تم اختطافه على يد مجموعة من المداخلة منهم  آمر التسليح لقوة الردع الضاوي انزام وابن أخته خالد البوتي وعبد الحكيم مقيدش آمر قوة مكافحة الجريمة بمنطقة السبيعة، والأزهري فانان آمر سرية باب تاجوراء، وأحمد الصافي تلميذ المصري محمد سعيد رسلان، والذي أقر باستجلاب فتوى من الخارج لاغتيال عدد من الدعاة والعلماء والإسلاميين -كما جاء في اعترافات هيثم الزنتاني وهو أحد المشاركين في الجريمة[104].

رغم تبعية جزء من التيار المدخلي بالمنطقة الغربية لحكومة الوفاق إلا أن الميول السياسية له ظلت غامضة ولم تعلن تشكيلاته والشخصيات البارزة فيه عن موقف واضح من حفتر بل كان لبعض الشخصيات البارزة في التيار تواصل مع ممثلي حفتر. وبعد هجوم قوات حفتر على العاصمة في 4 إبريل أظهرت بعض التشكيلات ككتيبة 604 ولاءها له وانضمت لاحقا لصفوف قواته وسهلت له دخول سرت التي كانت تحت سيطرتها بينما التزمت الشخصيات البارزة في التيار الصمت لفترة طويلة ودعا البعض الآخر لحقن الدماء. وظلت المساجد والمنابر على “حياد” في حين كانت منابر التيار على الطرف الآخر تصدح بوجوب “الجهاد” مع حفتر ضد “الإخوان والخوارج”، أما جهاز الردع فأعلن عن مشاركته ، في القتال بعد أكثر من شهرين من الهجوم على العاصمة إلا أن أفرادا منه شاركوا قبل هذا بحكم تعدد مكوناته فالجهاز ليس مكونًا من التيار “المدخلي” فقط بل يضم ثوار سابقين وشباب من سوق الجمعة –منطقة عبد الرؤوف كارة قائد الجهاز– وهي منطقة تتعرض للقصف باستمرار من قبل قوات حفتر منذ بداية القتال، كما أنه يضم عناصر من الأمن الداخلي والخارجي التابع للنظام السابق.

السعودية وتمويل المداخلة

لازالت طرق تمويل التيار مجهولة إلا أن الحديث غير الرسمي في الشارع يشير للمملكة العربية السعودية لارتباط التيار بشيوخ المملكة ولما عرف عن رعاية الدولة السعودية للتيار داخل حدودها وخارجها ، كما أن الميزانيات التي تمنحها الدولة الليبية لهذه التشكيلات لا تتطابق مع حجم التسليح ونوعيته إذ أن قوة الردع تمتلك معدات وتقنيات حديثة لا تملكها كتائب كثيرة في المنطقة الغربية،كما أن مشاريع مثل الإذاعات المسموعة المتواجدة في كل مدن ليبيا تقريبا والمدارس الخاصة المنتشرة في طرابلس وغيرها من النشاطات التي تحتاج تمويلًا ضخمًا ، كل هذه النشاطات لا تفسرها التبرعات أو دعم رجال الأعمال المرتبطين بالتيار كعبد الحكيم المصري وغيره[105].

الثامن عشر: اللاعبون الإقليميون والدوليون في ليبيا

منذ عام 2011 والبلاد تقع تحت وطأة التدخل الخارجي الذي كان العامل الأهم في عملية الاستقطاب وإبقاء الصراع حيا بين الأطراف المتنازعة. فلعبت قطر دورا في دعم الثوار والإسلاميين عبر شخصيات إسلامية كعضو جماعة الإخوان علي الصلابي وشقيقه إسماعيل وأمير الجماعة الإسلامية المقاتلة سابقا عبد الحكيم بلحاج، وعلى الطرف الآخر قدمت الإمارات الدعم لتحالف “الثورة المضادة” عبر شخصيات بخلفيات مختلفة كالليبرالي محمود جبريل ،والعسكري خليفة حفتر، ورجل الأعمال عبد المجيد امليقطة، ورجل الأعمال والداعية الصوفي عارف النايض.

مقارنة بالدعم القطري كان الدعم الإماراتي سخيا وغير محدود .ففي حين شهد الدعم القطري تراجعا بعد 2016، شهد الدعم الإماراتي تصعيدا كبيرا تُوِّجَ ببناء قاعدة “الخادم” العسكرية شرق ليبيا واستيراد طائرات أمريكية وجلب مرتزقة  طياريين عبر المتعاقد الأمني الشهير “ايرك برنس” كما زودت حفتر بطائرات بدون طيار صينية[106]، واستمر الدعم الإماراتي لعمليات حفتر العسكرية حتى تاريخ هجومه على طرابلس، ومع انطلاق عملية الحوار التي رعتها الأمم المتحدة شهد التدخل الإماراتي تطورا حيث نجحت الإمارات في التأثير على نتائج الاتفاق السياسي عبر استقطاب السياسيين والمسؤولين بوسائل مختلفة ولم تقتصر عمليات الاستقطاب  وشراء الذمم على الأطراف المحلية وإنما طالت مسؤولين وموظفين دوليين أبرزهم كان مبعوث الأمم المتحدة برناردينو ليون كما ذكرنا سابقا.

وقد بلغ عدد المنصات  الإعلامية الممولة من الإمارات 6 منصات، وهي “ليبيا روحها الوطن” التي يديرها العارف النايض، ” 218 ” التي تديرها الإعلامية النسوية هدى السراري وزوجها مجاهد بوسيفي، “بوابة أفريقيا الإخبارية” التي يديرها عبد الباسط بن هامل، “ليبيا الحدث” يديرها محمود حسان، و “ليبيا 24” الموالية للنظام السابق والتي يديرها عبد السلام المشري.

بروز الدور الفرنسي

مع تصاعد المعركة في بنغازي برز الدور الفرنسي في دعم حفتر، وقد نشر مركز ستارتفور صورًا بالأقمار الصناعية تشير لوجود غرف عمليات في قاعدة بنينا يديرها عسكريون أجانب يُعتقد أنهم فرنسيون[107]، كما سرب موقع “ميدل إيست آي” محادثات لاسلكية بين عسكريين أجانب في قاعدة بنينا مع طائرة تتجهز للهبوط فيها[108].

كان لوزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان –وزير الدفاع آنذاك- دورا مهما في تكثيف الدعم لحفتر فقد تحدثت عدة مواقع فرنسية إخبارية وأمنية (موند أفريك وانتيلجنس أونلاين) عن تحمس الوزير لدعم حفتر  وأنه هو مهندس استراتيجية الدعم. ويبدو أن علاقة لودريان الشخصية بكل من محمد بن زايد وعبد الفتاح السيسي قد لعبت دورًا مهما في تعزيز الحضور الفرنسي. فالوزير كان يتردد بشكل شبه شهري على دولة الإمارات منذ ال2012 وعُرف عنه قربه من الاثنين[109].

قطعت الشكوك حول طبيعة الدعم الفرنسي في 20 يوليو 2016 عندما أسقط ثوار بنغازي طائرة مروحية على متنها ثلاثة عسكريين فرنسيين ، وقد نعاهم  كل من الرئيس الفرنسي هولاند ووزير الدفاع لودريان في اليوم التالي وبرروا ذلك بأن هؤلاء العسكريين كانوا يقومون بمهام لمكافحة الإرهاب[110]. إلا أن هجوم حفتر على طرابلس كشف أن الدور الفرنسي يتعدى ما يسمى ب”مكافحة الإرهاب”، فقد برزت معلومات حول تواجد عسكريين فرنسيين وأسلحة فرنسية في غريان، وقد تأكدت المعلومات بعد دخول قوات الوفاق لمدينة غريان وأسر قياديين في قوات حفتر والكشف عن هروب 13 عسكريًّا فرنسيا من المدينة ووصلوهم للحدود التونسية. وقد نفت فرنسا كون هؤلاء العسكريين داعمين لحفتر وأكدت أنهم فريقٌ أمني كان يحمي السفارة الفرنسية[111].

الدعم الروسي لحفتر

بالإضافة للدعم الإماراتي\المصري\الفرنسي حظى حفتر بدعم روسيا التي تبحث عن:

 1-موطئ قدم لها جنوب المتوسط.

2-تأمين مصالحها الاقتصادية المعلقة منذ سقوط نظام القذافي.

 3-مزاحمة وتهميش الدور الأوروبي في المشهد الليبي .

 4-الحصول على أوراق ضغط على الخصوم الأوروبيين، بينما يبحث حفتر في تحالفه مع روسيا عن حليف يخفف من ضغوط فرنسا والحلفاء الإقليميين.

ورغم دعمها لحفتر تحافظ روسيا على علاقاتها مع الطرف الآخر من الصراع. ويبدو أنها تسعى لابتزازه بدعمها المتزايد لحفتر حيث يشهد الدعم الروسي تصاعدا منذ عام2016 فبعد أن كان مقتصرا على الدعم اللوجستي والفني أصبح اليوم يشمل تزويد حفتر بالمرتزقة والتخطيط للعمليات العسكرية على تخوم طرابلس. ويقدر عدد المقاتلين التابعين لشركة “فاغنر” ما بين 800-1400 قتيلٍ حسب تقريرٍ لوزارة الدفاع الأمريكية في 9-2019 بينما صرح الرئيس التركي أن عدد المقاتلين الروس بلغ 2500 مقاتلٍ[112]، في حين أن التقديرات الميدانية  بناءً على حجم الانتشار وعدد الآليات المستجلبة لصالحهم تشير لوجود ما لا يقل عن 3000 مقاتل.

بالإضافة للدعم اللوجستي والعسكري قدمت روسيا دعمًا من نوع آخر لحفتر بتوفير حلٍّ لأزمة السيولة التي واجهته فطبعت له مؤسسة غوزناك –المؤسسة الرسمية لسك العملة التابعة للكريملين- إجمالي 15.4 مليار دينار ليبي =11 مليار دولار ، سلمت للمصرف المركزي الموازي في الشرق، وهو الأمر الذي فاقم من الأزمة الاقتصادية في ليبيا وأضعف قيمة الدينار الليبي أمام الدولار . كما تحدث تقرير لمؤسسة “دوسير”أن شركة فاغنر مسؤولة عن إصدار صحيفة “صوت الشعب” التي تروج لحفتر بقوة، كما أن الشركة قدمت توصيات لقناة “ليبيا الحدث” المملوكة لابن حفتر “صدام”[113]. وعلى الرغم من الدعم المكثف لحفتر، لكن لا يبدو أن خيارات روسيا تقتصر عليه، فالتقرير يذكر أن الشركة تعمل على الترويج لسيف الإسلام القذافي عبر مجموعة من القنوات الليبية التي تملك فيها حصة تقدر ب 50%، كما ذكر تقرير لصحيفة بلومبيرغ أن الشركة أجرت لقاءً مع سيف الإسلام القذافي حضرها مستشار انتخابات روسي وقد صرح وزير داخلية حكومة الوفاق أن الدور الروسي يسعى لتعزيز نفوذ النظام السابق وإعادة السلطة له.

ويبدو أن علاقة روسيا بحفتر تخضع للتوظيف بالدرجة الأولى حيث يحاول حفتر توظيف الدعم الروسي لموازنة أدوار حلفائه وداعميه وللحصول على دعم عسكري لا يستطيع بقية الداعمين توفيره، بينما تحاول روسيا الاستفادة من احتياج حفتر لمقاتلين محترفين لفرض نفسها في المشهد الليبي على حساب غيرها من الداعمين وقد أكد تقرير للنيويورك تايمز بعنوان “البيت الأبيض بارك حربا في ليبيا فازت بها روسيا ” صحة هذا بالكشف عن وثائق روسية  تحصلت عليها الوفاق بعد القبض على اثنين من العملاء الروس في طرابلس جاء فيها أن روسيا تسعى لاكتساب هيمنة على حفتر عبر تعزيز دور مرتزقة فاغنر وعبر إيجاد عميل وفي وقوي داخل معسكره يمكن أن ينافسه[114]. وهذا يوضح أن أهداف الطرفين متباينة مما يفتح المجال لفرضية إمكانية تخلي روسيا عن حفتر إذا ما نجحت في الوصول لتفاهم مع تركيا والوفاق.

وعلى عكس الدور الإماراتي\الفرنسي\المصري الذي لم يشكل مصدرَ قلقٍ لأي من الأطراف الدولية التي تعلن دعمها للوفاق. برز الدور الروسي المتنامي كمصدر قلق لكل من بريطانيا وأمريكا، فحذرت منه بريطانيا على لسان كل من جهاز المخابرات ووزير الدفاع مالكون فالون منذ عام2017. وقدمت بريطانيا مشروعًا في مجلس الأمن في فبراير 2019 يطالب بسحب المرتزقة الروس من ليبيا[115]، واتهمت قيادة الأفريكوم روسيا بالسعي للوصول للنفط الليبي وتنشيط مبيعات الأسلحة، كما أرسلت واشنطن وفدًا دبلوماسيا التقى بحفتر في نوفمبر 2019 وحثه على إيقاف الهجوم على العاصمة وحذره من استغلال روسيا للفوضى في ليبيا لتعزيز نفوذها[116]. وهو ما قد يعني أن الولايات المتحدة لن تتغاضى عن الدور الروسي المتممدد كما فعلت مع بقية داعمي حفتر.

الدور الأمريكي المتذبذب

يبدو الدور الأمريكي متناقضا عبر مواقفه، ففي حين تصدر واشنطن بيانات تدعو لإيقاف الحرب، يعطي البيت الأبيض لحفتر الضوء الأخضر لشن هجومه على الحكومة التي يعترف بها –حسب تقرير نيويورك تايمز السابق-  ولا يبدو أن الإدارة الأمريكية تبذل أي جهود جدية لكبح جماح الأطراف الإقليمية الداعمة لحفتر (الإمارات ،السعودية ومصر). كما أنها لم تعلق على استخدام الإمارات لطائرات أمريكية في معركتي بنغازي ودرنة  فضلا عن دور الأمريكي “إيرك برنس” في تزويدها بالطيارين في ظل حظر التسليح المفروض على البلاد.

تعلن الولايات المتحدة اعترافها بحكومة الوفاق كممثل شرعي للبلاد، وقد قدمت لها دعما عسكريا في مواجهات قواتها لتنظيم الدولة في سرت ولازالت تتعاون معها وتقدم لها الدعم في ملف مكافحة الإرهاب. وفي المقابل تقوم بالمثل مع حفتر إذ تتردد الطائرات الأمريكية على مطار بنينا بشكل مستمر منذ سنوات وتظهر سجلات مواقع تتبع الطائرات وصول 12 طائرةً عسكرية أمريكية منذ 29 يونيو 2018 وحتى 14 ديسمبر 2019 لمطار بنينا في بنغازي[117]. ويفسر البعض منح الولايات المتحدة الضوء الأخضر لحلفائها (الإمارات السعودية ومصر ) بدعم حفتر بمهاجمة طرابلس ثم استنكارها لذلك بعد فشل الهجوم الذي كان يفترض أن يكون خاطفا أنه تخبط في السياسة الأمريكية، في حين يفسره آخرون أنه كان قرارا أحاديا من ترامب ومستشاره  للأمن القومي بولتون وأنه لا يمثل موقف المؤسسات الأمريكية، وقد يدفع النفوذ الروسي المتزايد في المشهد الليبي الولايات المتحدة لاتخاذ موقف أكثر وضوحا من الأحداث الجارية.

الدور التركي في المشهد

على الرغم من حيازة حكومة الوفاق لشرعية دولية لكن لا يبدو أنها تحظى بحلفاء حقيقيين مستعدين لتقديم الدعم لها في مواجهة هجوم التحالف الداعم لحفتر. وفي ظل هذا العزوف الدولي برز الدور التركي بقوة حيث ضخت تركيا دعما عسكريا كبيرا عبر إرسال مدرعات وطائرات بدون طيار ونظم دفاع جوي كما أرسلت مقاتلين سوريين في مراحل لاحقة مما أعاد التوازن للمعركة، وسمح لقوات الوفاق باستعادة زمام المبادرة وتحقيق تقدمات كبيرة على عدة جبهات[118].

بالإضافة للدعم اللوجستي والعسكري وقَّعت تركيا اتفاقية تعاون أمني وترسيم حدود بحرية مع حكومة الوفاق الأمر الذي أثار احتجاج حلفاء حفتر والأطراف الدولية المتضررة بشكل مباشر من هذا الاتفاق (فرنسا، مصر، اليونان، إسرائيل). واعتبرت هذه الدول أن الاتفاقيتين الموقعتين مع حكومة الوفاق باطلتان. وأصدرت مصر واليونان وفرنسا بيانًا مشتركا أدانت فيه الاتفاق ووصفته بأنه يعد تعديا على الحقوق السيادية لدول أخرى وأنه لا يتفق مع قانون البحار[119].

تحد الاتفاقية البحرية الموقعة بين ليبيا وتركيا من نفوذ هذه الدول وقدرتها على التحرك بشكل أحادي يهمش تركيا في المتوسط كما أنها تقف عائقا أمام مشروع خط الغاز الإسرائيلي لأوروبا، ورغم الاعتراض المبدئي ل”إسرائيل” على هذه الاتفاقية إلا أن بعض المصادر الإعلامية أعلنت عن قبول إسرائيل بالدخول في مفاوضات سرية مع تركيا حول تمرير خط الغاز من إسرائيل عبر تركيا.[120]

ويبدو أن التحالف مع تركيا وتوقيع الاتفاقية البحرية أدخل ليبيا لساحة نزاع دولية إقليمية جديدة وشكل نقطة اللاعودة لحكومة الوفاق التي حاولت طوال السنوات الماضية الحفاظ على علاقات ودية مع حلفاء حفتر، مما يعني أن سير الأحداث في ليبيا سيكون مختلف عما كان عليه قبل التدخل التركي وسيتأثر بشكل مباشر بسير الأحداث في المناطق الأخرى التي تكون فيها تركيا لاعبا أساسيا، ومع تنامي الدور الروسي على الضفة الأخرى وتزايد اعتماد الأطراف المتنازعة على الدعم الخارجي يزداد تشابه العوامل المؤثرة في الملف الليبي بالملف السوري يوما بعد يوم وهو ما يثير مخاوف كل من الإمارات  وفرنسا خشية أن تفقد الأولى السيطرة على  القرار السلم والحرب من جانب حفتر وأن يتضاءل دور الثانية بهيمنة هذا الثنائي (تركيا-روسيا) على المشهد.

الدعم المصري لحفتر

رغم أن مصر تلعب دورا أساسيا في دعم قوات حفتر عبر تزويده بالذخائر والمدرعات وفتح أراضيها وقواعدها العسكرية كمعبر ومنطلق لمختلف الدول الداعمة لحفتر إلا أن بعض التقارير الصحفية تتحدث عن محاولات إماراتية-سعودية لدفع مصر للتصعيد لمنع انهيار قوات حفتر المستمر منذ التدخل التركي. وغير معروف طبيعة التصعيد المطلوب، لكن نظرا لمحدودية الإمكانيات المصرية في ظل الأزمة الاقتصادية التي تواجهها البلاد لا يتصور أن تجنح مصر لهذا الخيار  إلا في حالة الاضطرار كأن يتم تهديد النفوذ المصري في الشرق الليبي، أما في حالة غياب تهديد حقيقي لا يتصور أن حدوث تصعيد يتعدى ضربات جوية جراحية تنقذ حفتر، وهو ما قد يترتب عليه تصعيد تركي أكبر بعد التلويح به في المناورات الأخير على حدود المياه الإقليمية الليبية.

كما برزت مؤخرا ادعاءات بإرسال السيسي لجنود مصريين للقتال في صفوف حفتر في معركة طرابلس، لكن تظل هذه المزاعم ضعيفة خصوصا في ظل استعانة حفتر بمرتزقة من حركات تمرد سودانية كحركة تحرير السودان (جناح منى مناوي) المدعومة من تشاد وحركات أخرى موالية للحكومة السودانية كمجلس الصحوة الثوري التابعة لموسى هلال زعيم المحاميد. ومن تشاد كجبهة التناوب والوفاق في تشاد، واتحاد القوة من أجل الديمقراطية والتنمية –وهذه الأخيرة تقاتل حتى مع قوات الوفاق[121].

الخاتمة

يبدو أن التفاوضَ والحوار نهجٌ غير مجدي مع حفتر وحلفائه الإقليميين، فعلى الرغم من تقديم الأطراف المناوئة له في حكومة الوفاق تنازلات كبيرة إلا أن حفتر وظَّف عملية الحوار لكسب الوقت لإنهاء معاركه في الشرق والجنوب والتجهيز للتوجه نحو العاصمة. ولا يبدو أن البلاد ستشهد استقرارا في أي وقت قريب في ظل توازن القوى الحاصل. فالمعركة الحالية تبدو كأنها معركة صفرية فحفتر راهن بكل ما يملك على إمكانية السيطرة على طرابلس بعملية خاطفة وعبر شراء ذمم بعض القوى بالمنطقة الغربية وطرابلس وبفشل هذا التكتيك دفع قوى المنطقة الغربية للتوحد ضده في معركة طويلة وقلص من فرص قبوله سياسيا في المرحلة القادمة بعد أن كانت معظم القوى مستعدة للتفاهم معه وإشراكه، كما أن هجومه على العاصمة أضعف نفوذ أبو ظبي على معسكر الوفاق ومنح  تركيا الشرعية اللازمة للتمدد في المنطقة، لذا فإن ما بعد هذه المعركة سيكون مختلفا عن  ما قبلها، وفي حال نجحت قوات الوفاق في تحرير كامل المنطقة الغربية وفزان، فسيكون موقفها التفاوضي أقوى مما سبق خصوصا في ظل تنامي الوجود والدعم التركي الذي لازال في بدايته على عكس الدور المصري\الإماراتي الذي يبدو أنه بلغ ذروته.

 توظيف حفتر للنزعة الجهوية والعداءات القبلية بين الشرق والغرب وداخل الغرب نفسه عزز من حالة التشظي الاجتماعي ورسخ فكرة أن ليبيا تقطنها شعوب مختلفة، وفي ظل فشل هجومه على طرابلس بدأت تتعالى أصوات التيار الفيدرالي من جديد، المطالبة بالانفصال ليست فكرة جديدة على الشرق الليبي “برقة”، وفي ظل تنامي العداء بين الاقليمين بسبب الحرب الدائرة تلقى الفكرة قبولا متزايدا في الغرب، لكن لا يبدو أن هذا الخيار مطروح حاليا حيث ترفضه كافة الأطراف السياسية المؤثرة، فبينما يطمح حفتر والتحالف الداعم له  للهيمنة المطلقة والسيطرة على المؤسسات المهمة في طرابلس وإنهاء نفوذ القوى الثورية المناوئة له في مصراتة والمنطقة الغربية، يطمح معسكر الوفاق للحفاظ على تدفق العائدات النفطية للبنك المركزي طرابلس حيث تكمن معظم ثروة البلاد النفطية بالمنطقة الشرقية وتطمح تركيا للحفاظ على شرعية اتفاقية ترسيم الحدود البحرية، لكن في حال نجاح معسكر الوفاق في التغلب على قوات حفتر وطردها من المنطقة الغربية والجنوبية وتهديد معقل حفتر في الشرق ربما يتم التلويح بالتقسيم كحل أخير لتعزيز موقف حلفاء حفتر في المفاوضات، الأمر الذي قد يشعل حربا بالمنطقة الوسطى تهدف للسيطرة على الهلال النفطي قد تشمل حتى تصعيد من الأطراف الداعمة لحفتر وعلى رأسه مصر لأهمية الشرق الليبي لها لكنه سيكون محكوما بإمكانيات هذه الدول لم تعد قيمة مضافة مقارنة بإمكانيات تركيا التي لن تتخلى عن الشرق الليبي بسهولة، ويبدو أنه كل ما تزايد نفوذ وتأثير ثنائي روسيا-تركيا على المشهد كل ما ابتعدنا عن هذا السيناريو واقتربنا من الوصول لتسوية سياسية توازن بين رغبات الطرفين.

لم تظهر تبعات أزمة الوباء والأزمة الاقتصادية وإغلاق النفط –الذي تجاوزت خسائره 4 مليار دولار- على الصراع الليبي بعد، لكن في ظل تراكم مصاريف الحرب وارتباط الأطراف الداخلية بالخارج ومدى تأثير الدعم الخارجي على مجريات الحرب الدائرة قد نشهد قريبا عودة للعملية السياسيى في ظل ظروف و معطيات جديدة.

المشهد الليبي يتعقد يوما بعد يوم ولا يبدو أن الحلول التقليدية قادرة على إنهاء حالة الاستقطاب خصوصا في ظل تنامي نفوذ الأطراف الخارجية وارتباط الطرفين المتصارعين بتحالفات إقليمية مما يجعل ليبيا ملفًّا على طاولة الدول المتنازعة ويربط أحداثها بشكل مباشر بالساحات الأخرى التي تتصارع فيها هذه الدول، كما أن عزوف الولايات المتحدة عن تغليب طرف على آخر واكتفاءها بمنح الأطراف الداعمة لحفتر موافقتها على إسقاط الحكومة الشرعية تارة وإبداء دعمها للحكومة تارة أخرى يزيد من تعقيد المشهد.

نشرة دول تبعات إقفال انتاج النفط

ورغم التعقيد الذي يكتنف المشهد إلا أن الحل لإنهاء هذه الأزمة هو الدفع باتجاه الحسم العسكري وانتزاع أوراق نفوذ حفتر ومحاولة التملص من الضغط الدولي عبر المراوحة بين فرض واقع جديد على الأرض وبين التهدئة، خصوصا في ظل موقف الولايات المتحدة الذي يتسم بالتماهي مع سردية الطرف الأقوى والأكثر إصرارا.

تكمن مشكلة معسكر الوفاق في غياب قيادة موحدة وتكتل عسكري يمتثل لها وضعف موقف القيادة السياسية، وترقب القبول الغربي والأممي لمواقفه السياسية وهذا يفرض قيودا على أداء معسكر الوفاق ويحول دون توظيف الانتصارات العسكرية بشكل كامل لصالحها، وما لم يتم معالجة هذه المشاكل فسيفشل معسكر الوفاق في تحقيق نجاح استراتيجي رغم استعادته للأفضلية العسكرية، وربما  يعالج التدخل التركي هذه الإشكاليات ّإذا ما تم توطيد العلاقات وحصر التعاون مع شخصيات تملك حزما وتحظى بدعم محلي على الصعيدين السياسي والعسكري، وبتعبير آخر لابد من تركيبة سياسية جديدة تملك رؤية استراتيجية، قادرة على توحيد الجبهة الداخلية وغير متخوفة من الدفع باتجاه الحسم العسكري وتجاوز المواقف والمبادرات الدولية التي تعزز  من موقف الخصم.


الهامش

[1] – Mansour Omar El-Kikhia, Libya`s qaddafi: politics of contradiction, University Press Of Florida. 1977, P (58-60).

[2] – محمد المقريف، القذافي واللجان الثورية… الأصل والصورة  (الجز الأول)، ليبيا المستقبل ، 10 يوليو 2008.

[3] – dirk Vandewalle,  Libya since 1969: Qadhafi’s Revolution Revisited, 2008, Palgrave Macmillan, p(67,68).

[4] – للمزيد حول النظرية العالمية الثالثة انظر: معمر القذافي، الكتاب الأخضر، المركز العالمي لأبحاث ودراسات الكتاب الأخضر، 1975.

[5] –  انظر: شهادة د.محمد المقريف –شاهد على العصر- الحلقة الخامسة، قناة الجزيرة، 15 ديسمبر 2019.

[6] – الخطاب غير منشور في السجل القومي، وهو منشور بصحيفة ” الجهاد” الحكومية الصادرة يوم 8 أبريل 1976.

[7] – السجل القومي الليبي، المجلد التاسع. 77/ 1978.

[8]هارون ي. زيلين، التيار الإسلامي في ليبيا، معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، إبريل 2013.

[9] – محاولة انقلاب شهيرة وثقتها عدة مراجع أهمها كتاب “البديل السياسي في ليبيا ودولة ما بعد الثورة”، للدكتور فتحي الفاضلي، وكتاب ” ليبيا منذ 1969 عودة لثورة القذافي ” للدكتور ديرك فانديويل. انظر: تلفزيون الآن، وثائق إعدام آدم الحواز، 19 سبتمبر 2011.

[10]لقاء مع عبدالمنعم الهوني، الجزء الأول، الجزيرة مباشر مصر، 30 أكتوبر 2011.

– غسان شربل، شلقم: القذافي اشترى المحيشي من المغرب وذبحه كالخروف، غسان شربل، صحيفة الحياة، 16يوليو 2011.

[11] – كانت تلك الروايات متداولة في الشارع الليبي، وقد وثقها الكاتب ناجي الفيتوري في مقال نشره بعنوان (انتحار في رمضان)، 3 يوليو 1981.

[12]لقاء خاص: الرائد عوض حمزة عضو مجلس قيادة الثورة السابق، قناة ليبيا، 23 يونيو 2011.

[13] – مثل الحركة الوطنية الديمقراطية الليبية” التي تأسست عام 1979، و”المجموعة الإسلامية” التي تأسست في العام نفسه، والجبهة الليبية الديمقراطية الوطنية التي تأسست عام 1980، وحركة الكفاح الوطني الليبي التي تأسست عام 1985، وقد بلغ عدد حركات المعارضة الليبية 25 حركة تقريبا.

[14] -للمزيد انظر شهادة رئيس الجبهة الوطنية للإنقاذ محمد المقريف في برنامج شاهد على العصر على قناة الجزيرة.

[15] – انظر:  فتحي الفاضلي “البديل السياسي في ليبا ودولة ما بعد الثورة“، الحلقة 13، ليبيا وطننا، 23 يوليو 2007.

[16] – انظر شهادة سالم دربي أحد المعارضين الجهاديين للنظام الذين شهدوا أحداث الحصار في فيلم بعوان (بداية المسير نحو الحرية محاكاة لأحداث درنـة 1996).

[17] – مذبحة أبوسليم الشهيرة هي حادثة إبادة جماعية ارتكبتها قوات الأمن الليبية 1996 بحق سجناء إسلاميين بسجن بوسليم المركزي بالعاصمة طرابلس لاحتجاجهم على سوء أوضاعهم ، قتل فيها أكثر من 1200 معتقل.

[18] -خالد التيجاني النور، العلاقات السودانية الليبية: صراع الماضي وتقارب المستقبل، مركز الجزيرة للدراسات، 24 أكتوبر 2011.

[19] – دعم القذافي جبهة البوليساريو و الجيش الجمهوري الأيرلندي والجيش الأحمر في إيطاليا وجماعة أبوسياف في الفلبين ومتمردي نيكاراغوا وحركات التحرير الفلسطينية التي استعان بها في الحرب الليبية التشادية حسب شهادة أحمد جبريل قائد الجبهة الشعبية للتحرير الفلسطينية في الحلقة الرابعة من سلسلة حلقات بعنوان “حقائق ليبية” أذاعتها قناة الميادين الإيرانية.

–مونية رحيمة، آفاق تسوية نزاع الصحراء الغربية بعد القذافي، الجزيرة للدراسات، 18 ديسمبر 2012.

[20] – شهادة وزير الحرس الثوري الإيراني الأسبق محسن رفيق دوست، قيادي إيراني: القذافي أعطانا صواريخ مجانا شرط ضرب السعودية، روسيا اليوم، 27 سبتمبر 2018.

[21] -انظر: شهادة من مندوب ليبيا السابق في الأمم المتحدة عبدالرحمن شلقم، الحلقة الثانية من برنامج الذاكرة السياسية، قناة العربية، 2012. وشهادة رئيس الوزراء التونسي الأسبق الهادي البكوش في برنامج شاهد على العصر، الحلقة الثامنة، قناة الجزيرة، 2 يوليو 2014. وشهادة مدير الدائرة السياسية في حركة فتح أبو بكر عاطف أبو بكر في برنامج الذاكرة السياسية، قناة العربية، 30 يوليو 2015.

[22] – حوادث شهيرة أدين بها القذافي دوليا، وأقر بها لاحقا، ودفع تعويضات مقابلها. للمزيد انظر: خالد حنفي، التأثير الداخلي والخارجي على ليبيا، الجزيرة نت، 3 أكتوبر 2004.

[23] – حسب شهادة إيليتش راميرز المعروف باسم كارلوس قائد المجموعة التي نفذت العملية. انظر: فيلم حول كارلوس “يخلط” بين صدام حسين ومعمر القذافي، فرانس 24، 15 مايو 2010.

[24]ايفون فليتشر شرطية بريطانية قتلها عناصر اللجان الثورية أمام السفارة الليبية في لندن خلال إطلاقهم النار على مظاهرة لمعارضين للنظام أمام السفارة في 1984.

[25] -شهدت تلك الحقبة تعاونا أمنيا مع المخابرات البريطانية في ملف مكافحة الإرهاب توج بتسليم لندن “عبد الحكيم بالحاج” للنظام الليبي، وشهد كل من رجل الأعمال اللبناني وبشير صالح مدير صندوق الثروة السيادية الليبي على تمويل حملة ساركوزي الانتخابية. انظر: البي بي سي، ساركوزي: التحقيق بشأن مزاعم تلقي أموال من القذافي جعل حياتي “جحيما“، 22 مارس 2018.

[26] – أصدرت الجماعة المقاتلة في عام 2005  بتقديم الشيخ سلمان العودة مراجعات بعنوان خطوط عريضة في منهج الجماعة الإسلامية المقاتلة : دراسات تصحيحية، خلصت فيها الجماعة إلى أن الكفاح المسلح ضد نظام القذافي غير شرعي من منظور الشريعة الإسلامية.

[27] – قضية ضحايا الإيدز في ليبيا  تورطت فيها خمس ممرضات بلغاريات وطبيب فلسطيني كانوا يعملون في مستشفى الفاتح للأطفال في مدينة بنغازي في ليبيا، حيث حقنوا 426 طفلًا ليبيًّا بدم ملوث بفيروس الإيدز ، استمرت القضية 8 سنوات من سنة 1999 إلى سنة 2007، وانتهت بتسوية وأمر القذافي بالإفراج عن المتهمين الستة بعد أن كان القضاء الليبي قد أصدر عليهم حكمًا بالإعدام .

[28] – مشروع إصلاحي كان قد أعلن عنه سيف الإسلام القذافي مطلع الألفية الجديدة ويهدف لإغلاق الملفات العالقة داخليا وخارجيا وإخراج ليبيا من عزلتها الدولية.

[29] – أحداث بنغازي .. انعطاف في صراع الأجنحة؟، سويس إنفو، 27 فبراير 2006.

[30]تصاعد الاحتجاجات ومجازر” ببنغازي، الجزيرة نت، 20 فبراير 2011.

[31] – تبعات تجاوز الناتو مهمته في ليبيا، الجزيرة نت، 26 أغسطس 2011.

[32]الناتو منقسم بشأن عمليات ليبيا، الجزيرة نت، 10 يونيو 2011.

[33] – Landen Garland, 2011 Libyan Civil War, White Word Publications, p(69-70).

[34]باريس: مؤشرات حل سياسي بليبيا، الجزيرة نت، 12 يوليو 2011.

[35]رئيس المجلس الوطني الليبي السابق يروي خلفيات وتفاصيل عن ثورة فبراير، المجلة، 21 أكتوبر 2013.

[36] – حدثت على الأقل 4 وقائع موثقة لقصف قوات الناتو لقوات الثوار حين حاولت مهاجمة قوات القذافي دون تنسيق. انظر:

-مقتل 45 من الثوار في غارة للناتو في أجدابيا، حلف الناتو يعتذر للثوار الليبيين على قصف مواقعهم عن طريق الخطأ، روسيا اليوم، 8 إبريل 2011.

– مقتل 17 من الثوار في غارة للناتو، معارك بالبريقة وحرب شوارع بمصراتة، الجزيرة نت، 3 إبريل 2011.

-مقتل 18 وإصابة 31 من الثوار في غارتين للناتو قرب البريقة، الثوار يصدون هجوما على مصراتة، الجزيرة نت، 8 إبريل 2011.

[37]إمدادات لمصراتة والناتو يبرر موقفه، الجزيرة نت، 6 إبريل 2011.

[38] – بول سالم، ماندا كادليك، تحديات العملية الانتقالية في ليبيا، مركز كارنيجي، 14 يونيو 2012.

[39] – يزيد صايغ، معضلات الإصلاح: ضبط الأمن في المراحل الانتقالية في الدول العربية، مركز كارنيجي، 30 مارس 2016.

– ولفرام لاتشر، “تصدعات الثورة الليبية”، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، أبوظبي، 2014، ص58.

[40] – فريدريك ويري، تحدي بناء الامن في شرق ليبيا، مركز كارنيجي للدراسات، 20 سبتمبر 2012، ص20.

-انظر: وولفرام لاشر، هل فرض الإدارة الذاتية في الإقليم الشرقي في ليبيا أمر واقعي؟، صدى كارنيجي، 21 مارس 2012.

[41] – كريستفورس.شيفيس وجيفري مارتيني، ليبيا بعد القذافي عبر وتداعيات المستقبل، مركز راند، 2014، ص7.

[42] – ولفرام لاتشر، “تصدعات الثورة الليبية”، مركز الإمارات للدراسات والنشر، 2014، ص16-19.

[43] -فريدريك ويري، إنهاء الحرب الأهلية في ليبيا: التوفيق بين السياسة وإعادة بناء الأمن، مركز كارنيجي، 24 سبتمبر 2014.

[44] – انظر: تقرير فريق خبراء مجلس الأمن الصادر في 19 فبراير 2014، ص16.

[45]واشنطن تدرج أنصار الشريعة الليبية في قائمتها للإرهاب، فرانس24، 10 يناير 2014.

[46] – حسب مصادر من جماعة أنصار الشريعة فالترهوني كان يفتي بجواز مبايعة تنظيم الدولة عندما كان على رأس اللجنة الشرعية في جماعة أنصار الشريعة.

[47] – اغتيل الشيخ منصور البرعصي قبيل إعلان حفتر عملية الكرامة في بنغازي، وقد كان للبعرصي تأثير على عدة قبائل وعمل على تحييدها عن الصراع ، الأمر الذي قوض من المجهودات المبذولة من قائد عملية الكرامة التي اعتمدت في مكونها الأساسي على القوى القبلية.

[48] – لم نتحصل على وثائق رسمية إذ لم يقم النظام بتوثيق مثل هذه الأمور، لكن تمكنا من توثيق المعلومات من مسؤول سابق من التبو أكد أن الأمر معلوم في الأوساط الاجتماعية. فالمجتمع الليبي مجتمع قبلي ولا يمكن تمرير مثل هذه الممارسات دون ملاحظتها فهناك حي كامل في سرت يسمى بحي الموريتانيين نسبة للمجنسين الذين جاء بهم القذافي ونسبهم لقبيلته.

[49] – ريبيكا ماوري، “زعزعة الاستقرار في جنوب ليبيا “، مركز دراسات الأسلحة الصغيرة، سبتمبر 2017.

[50] – موحمد أمادي، الموقف الرسمي الليبي من الأمازيغية.. وجهة نظر أمازيغية، الجزيرة نت، 27 نوفمبر 2005.

[51] – رئيس البرلمان عقيلة صالح عيسى يلقي برقية لقائد الثورة معمر القذافي في لقاء جماهير القبة الرابط

-بيان مبايعة صالح الاطيوش الرابط

[52] – فريدريك ويري، تحدي بناء الأمن في شرق ليبيا، مؤسسة كارنيغي، سبتمبر2012، ص13.

[53] -“لمن النفط اليوم“، العربي الجديد، 12 يناير 2015.

[54]ليبيا.. لمن النفط اليوم؟، العربي الجديد، 12 يناير 2015.

[55]ليبيا: 160 مليون دولار خسائر إغلاق حقول النفط، العربي الجديد، 31 أغسطس 2017.

[56]ليبيا- لا ينبغي أن تفلت وقائع قتل “السبت الأسود” ببنغازي من العقاب، هيومن رايتس وتش، 13 يونيو 2013.

[57]ليبيا: مظاهرة ضد الميليشيات المسلحة تتحول إلى مذبحة، دويتش فيلة، 16 نوفمبر 2013.

[58] – مثال على ذلك قناة ليبيا أولا المملوكة لحسن طاطاناكي، وقناة العاصمة المملوكة لجمعة الأسطى، وقناة ليبيا الدولية المتحدثة باسم التحالف والمملوكة لعدد من رجال الاعمال.

– انظر: فاطمة العيساوي، الإعلام الانتقالي في ليبيا هل تحرر أخيرا، صدى كارنيغي، 14 مايو 2013.

[59] – ولفرام لاتشر، عاصمة المليليشات :سيطرة الجماعات المسلحة على العاصمة”، مركز دراسات الأسلحة الصغيرة، يونيو 2018.

[60] – انظر: أندرو اينجل، ليبيا وخطر الحرب الأهلية المتنامي، معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، 20 مايو 2014.

[61] –  Wolfram Lacher, Libya’s Fragmentation: Structure and Process in Violent Conflict, Bloomsbury, 2020. P37.

[62]جيش القبائل، الجزيرة نت، 29 يوليو 2015.

[63] – أحمد محمود، أزلام القذافي وحفتر.. بؤر إجرامية في ورشفانة الليبية، العربي الجديد، 19 سبتمبر 2016

[64]مسؤولون أميركيون: مصر والإمارات قصفتا ليبيا سرا، الجزيرة نت، 25 أغسطس 2014.

[65]البرلمان الليبي يطالب بتدخل خارجي لحماية المدنيين، بي بي سي، 13 أغسطس 2014.

[66] – حسب بيانات غير رسمية في الأوساط المحلية تتراوح الأرقام بين 160-200 ألف نازح من مدينتي بنغازي ودرنة، انظر: عمر كراسابان، هل يُنذر النازحون داخليًّا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بصراع مستقبلي؟، مركز بروكنجز، 5 وليو 2017.

[67] -“المؤتمر الوطني العام يدين القصف المصري على درنة“، الشرق، 16 فبراير 2015.

[68]لماذا لم تستهدف قوات حفتر تنظيم الدولة بدرنة، الجزيرة، 26 إبريل 2016.

[69] – الاتهامات هي مزاعم محلية تؤكدها مواقف الشخصيات المذكورة لاحقا وبعض التسريبات التي سربت لاحقا كالتسريب الصوتي لسالم جحا حول ضرورة سحب المقاتلين من الجبهات بطرح أسئلة تشوش عليهم الهدف من القتال.

[70] – الميليشيات التابعة لحكومة طبرق تقتل 39 مدنيا خلال ساعات، والكرامة تدعو لجنة التحقيق و تقصي الحقائق الدولية بليبيا للتحقيق في مجزرة ككلة”، مؤسسة الكرامة لحقوق الإنسان، 24 يوليو 2015.

[71] –  أحمد محمود، أزلام القذافي وحفتر.. بؤر إجرامية في ورشفانة الليبية، العربي الجديد، 19 سبتمبر 2016.

[72] –“مقتل قادة من فجر ليبيا في تحطم مروحية“، صحيفة الغد، 27 أكتوبر 2015.

[73] –“تحطم طائرة عسكرية في تونس ومقتل ركابها ال11“، صحيفة الغد، 21 فبراير 2014.

[74] – مقابلة الكاتب مع مسؤول سابق في حكومة الإنقاذ.

[75] – رانديب راميش، “مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا يقبل وظيفة براتب 1000يورو يوميا من داعم لأحد أطراف الحرب الأهلية“، صحيفة الجارديان، 4 نوفمبر 2015.

[76] – فيديو : لحظة وصول القطعة البحرية التي نقلت المجلس الرئاسي إلى القاعدة البحرية طرابلس:

https://www.youtube.com/watch?v=QOxwo2EEgIo

[77] – كتيبة ليبية تخرج المحمودي والسنوسي من سجنهما، الجزيرة نت، 28 مايو 2017.

[78] – أحداث طرابلس .. الطلاق الدامي بين حلفاء فجر ليبيا”، بوابة الوسط، 2 ديسمبر 2016.

[79] -“هل يتكرر سيناريو بنغازي في العاصمة طرابلس“، الجزيرة نت، 3 يونيو 2017.

[80] – فيديو اعتراف أحد المشاركين في قتل الشيخ نادر العمراني: https://www.youtube.com/watch?v=ItU76LHQar4&t

ليبيا: اختطاف الشيخ نادر السنوسي علي العمراني على يد قوة الردع الموالية لحكومة الوفاق الوطني، مؤسسة الكرامة لحقوق الإنسان، 23 نوفمبر 2016.

[81] – د. الحسين الشيخ العلوي، ليبيا: قراءة في تفاعل المعارك العسكرية مع الاستقطابات السياسية، الجزيرة نت، 3 سبتمبر 2017.

[82] – تقرير: بنغازي .. صراع على ممتلكات المهجرين، قناة  ليبيا الأحرار، 8 مارس 2020.. تقرير عن أهالي بنغازي المهجرين، قناة النبأ، 31 ديسمبر 2017. شهادة منى صويد، منى صويد (روايتي أنا) قصة عائلة آل صويد، قناة النبأ، 19 فبراير 2015.

[83]الغرب يتحرك بسرية في ليبيا، مركز ستراتفور للدراسات، 9 مارس 2016.

[84] – تقرير فريق خبراء مجلس الأمن، 2017، ص55. وانتليجنس أونلاين  11 يناير 2017.

[85] – تقرير فريق خبراء مجلس الأمن، 2017، ص61.

[86]مقتل 3 عسكريين فرنسيين في ليبيا، روسيا اليوم، 20 يوليو 2016.

[87]سلاح الجو الإماراتي يحسم معركة الهلال النفطي لصالح حفتر، مركز الإمارات للدراسات والإعلام، 23 مارس 2017.

[88] – بيان المجلس الرئاسي بشأن الأحداث الأخيرة في الهلال النفطي بتاريخ 3 مارس 2017. خليل كلاعي، نون بوست يحاور قائد سرايا الدفاع “مصطفى الشركسي”، 1 إبريل 2017.

[89]– تقرير فريق خبراء مجلس الأمن، 2018، ص9.

[90] – بناءً على شهادات مقاتلين من مجلس شورى ثوار بنغازي أجريت معهم مقابلات.

[91]ليبيا: فيديوهات تصور إعدامات غير قانونية، منظمة حقوق الإنسان، 16 أغسطس 2017.

[92] – إبراهيم بالقاسم ومحمد علي، بعد عام من توقفها.. اجتماعات “توحيد المؤسسة العسكرية الليبية” بالقاهرة تضع اللمسات الأخيرة، مدى مصر، 22 أكتوبر 2018.

[93] – منية غنامي، هل يشهد الجنوب الغربي لليبيا صراعا مسلحا بين الجيش وحكومة الوفاق؟، CNNبالعربية، 9 يناير 2017.

[94] –“السراج يهنئ بتحرير بنغازي وفرنسا تشيد بقوات حفتر“، دويتش فيله، 6 يوليو 2017.

[95] – فيديو: باشاغا: حفتر يؤدي دور وطني مقبول في الجنوب ووصلنا لطريق مسدود بطرابلس، المرصد، 16 فبراير 2019.

[96] – مصطفى دالع، مؤتمر ليبيا .. دعم دولي وحفتر يتقدم والسراج يحذر من عسكرة الدولة، وكالة الأناضول، 4 إبريل 2019.

[97] – انظر:

– تقرير فريق خبراء مجلس الأمن، 2017، ص60.

– تقرير فريق خبراء مجلس الأمن، 2018، ص2، 8، 58.

– تقرير فريق خبراء مجلس الأمن، 2016، ص62،63.

[98] – تقرير فريق خبراء مجلس الأمن، 2016، ص62،63. النقطة 8 ليست موجودة في التقارير المحال إليها إلا أن مصادر ميدانية أكدت لنا أن تنصيب المرداس في قنصلية تونس تم عبر تهديد القنصل السابق والشواهد على بلطجة كتائب طرابلس وتغلغلها في مؤسسات الدولة كثيرة وموثقة في تقارير فريق الخبراء  بمجلس الأمن عن أعوام 2016، 2017، 2018.

[99] – حسب تصريح مسؤول الإعلام الخارجي لحكومة الإنقاذ جمال زوبية الذي صرح أن وزير الداخلية فتحي باشاغا اتفق مع محافظ مصرف ليبيا المركزي على مصادرة 395 مليون دينار للتاجوري بعد تقدم الأخير بطلب اعتمادات مستندية لشركات وهمية خارج البلاد فوافق المحافظ مبدئيا شريطة إيداع المبلغ في الحساب وبعد الإيداع تم تجميد الحساب.

وحسب البيانات المنتشرة في الأوساط المحلية للتاجوري وبشر، توجد  علاقات غير رسمية  تجمعهما بدولة الإمارات وقد تردد الاثنان عليها وحاليا تقيم أسرتاهما هناك بينما يتنقل الاثنين بين باريس وأبوظبي حسب مصادر محلية.

[100] – تم إحصاء هذه الإذاعات بجهود فردية، وفي حين لا توجد مصادر رسمية توثق وجودها إلا أن هذه الإذاعات مشهورة في الأوساط المحلية وهي :

1-إذاعة طريق السلف ” 100.3 ” طرابلس.

2- إذاعة الكلمة الطيبة ” 96.3 ” طرابلس.

3- إذاعة التبيان ” 97.9 ” طرابلس.

4- إذاعة الكتاب والسنة ” 89.5 ” طرابلس.

5- إذاعة بنغازي السلفية “93.3 ” بنغازي.

6- أهل الحديث والاثر ” 90.9 ” بنغازي.

7- إذعة الفرقان ” 90.5 ” مصراتة.

8- إذاعة المرج السلفية “99،1 ” المرج.

9- إذاعة أجدابيا السلفية ” 97.5 ” اجدابيا.

10- إذاعة مشكاة النبوة ” 101 ” البيضاء.

11- إذاعة نداء الإيمان ” 102.5 ” طبرق.

12- إذاعة صوت البينة ” 106.3 ” زليتن.

13- سبل السلام ” 99،9 ” الكفرة.

14- صوت الإسلام ” 89.9 ” الخمس.

 15- إذاعة سبيل السلف ” 98.9 ” مرزق.

16- إذاعة التقوى ” 89.5 ” بني وليد.

17- إذاعة طريق السلف ” 100.3 ” سبها.

18- إذاعة السلف الصالح ” 109.1 ” الشقيقة

19- إذاعة قرنادة السلفية ” 101.10 ” قرنادة.

20- إذاعة الزنتان السلفية ” 102.07 ” الزنتان.

21- إذاعة نهج السلف ” 95.5 ” نالوت.

22- إذاعة المحجة البيضاء ” 100.9 ” الزاوية.

23- إذاعة أهل الحديث والأثر ” 100.5 ” الزاوية.

24- إذاعة وادي الشاطي السلفية ” 105.5 ” وادي الشاطي .

25- إذاعة الزاد النبوي ” 9 . 89 ” القبة.

26- إذاعة البينة ” 91.5 ” هون.

27- إذاعة الأبيار السلفية ” 95.9 ” الأبيار.

28- إذاعة ميراث الأنبياء ” 99.5 ” تاكنس.

[101] – عبد الله الشريف، قادة التيار المدخلي… أداة حفتر لبسط نفوذه غرب ليبيا، العربي الجديد، 19 نوفمبر 2017.

-شهادة فرج قعيم حول اغتيالات خلايا حفتر في بنغازي الرابط

-اقتحام منزل فرج قعيم الرابط

[102] – انظر قرار المجلس الرئاسي رقم 555، ورقم 559 لعام 2018.

[103] -تقرير فريق خبراء مجلس الأمن، 2018، ص13. أما عدد سجناء تنظيم الدولة فتم تقديرهم بناءً على تقرير فريق الخبراء 2017، ص24، بالإضافة لمعلومات من مصادر ميدانية.

[104] – فيديو: اعترافات أحد المدانين باغتيال الشيخ نادر العمراني: https://www.youtube.com/watch?v=ItU76LHQar4&t=563s.

[105] – لا توجد مصادر رسمية تؤكد ارتباط عبد الحكيم المصري بقوة الردع إلا أنها معلومة مؤكدة في الأوساط المحلية وقد أكد لنا مسؤول سابق في حكومة الإنقاذ صحة هذه المزاعم وأكد على محورية دور هذه الشخصية في الأحداث الجارية حيث تقدم كل من قوة الردع وقائد كتيبة ثوار طرابلس هيثم التاجوري لعبد الحكيم المصري خدمات وتسهيلات للوصول لميزانيات الدولة والاعتمادات المستندية في مقابل تمويله لهم.

[106] – للمزيد انظر : تقارير فريق خبراء مجلس الأمن في أعوام 2017 ،2018 ،2019.

[107]الغرب يتحرك بسرية في ليبيا، مركز ستراتفور للدراسات، 9 مارس 2016.

[108] – كريم البار، تسجيلات مسربة تفضح الدعم الغربي للجنرال الليبي المتمرد، ميدل إيست أي، 29 يوليو 2016.

[109] – نيكولاس بياو، لودريان اتصالات خطيرة بحفتر، موند أفريك، 14 نوفمبر 2019.

[110]مقتل 3 عسكريين فرنسيين في ليبيا، روسيا اليوم، 20 يوليو 2016.

[111]عسكريون فرنسيون وإماراتيون أداروا  المعارك ضد حكومة الوفاق، الخليج أونلاين، 27 يونيو 2019.

[112] -” أنس جانلي”، فاغنر الروسية.. أخطبوط المرتزقة في ليبيا، وكالة الأناضول، 20 إبريل 2020.

[113] – طارق المجريسي وماتيو تولادو، روسيا في ليبيا: عامل التصعيد، مركز كارنيجي للدراسات، 28 ديسمبر 2016.

[114] – ديفيد كيربيتراك، البيت الأبيض بارك حربا في ليبيا لكن روسيا فازت بها، نيويورك تايمز، 14 إبريل 2020.

[115]بريطانيا تقدم مشروع قرار أممي يطالب بسحب المرتزقة من ليبيا، روسيا اليوم، 1 فبراير 2020.

[116] – علاء فاروق، بعد زيارة وفد أمريكي.. هل بدأت واشنطن الضغط على حفتر، عربي 21، 6 نوفمبر 2019.

[117] – وفق معلومات رصدتها مواقع تتبع رحلات الطيران على موقع تويتر الرابط

[118] -فريدريك ويري، وسط المقاتلين السوريين المنضورين في التدخل التركي في ليبيا، مركز كارنيجي للدراسات، 9 مارس 2020.

[119] – فهيم تاستكين، الدرونز التركية في ليبيا هي شؤون استراتيجية وعائلية، المونيتور، 11 سبتمبر 2019.

[120] -محمد محسن وتد، غاز المتوسط..صراع القوة والنفوذ بين تركيا وإسرائيل، الجزيرة نت، 19 ديسمبر 2019.

[121] – حسب تقرير فريق خبراء مجلس الأمن عن ليبيا لعام 2019.

اضغط لتحميل الملف
مشاركات الكاتب